نظرةً على كتب الأشاعرة مثلاً يجد أن القوم يقسمون أبواب العقيدة إلى إلهيات- ونبوَّات- وسمعيات، وهم في باب الإلهيات والنبوات لا يقبلون نصوص الكتاب والسنة، ولذلك لن تجد في هذين البابين إلا الشبه العقلية المركبة وفق القواعد المنطقية، ويا عجبا أنأخذ ديننا من كلام الله ورسوله، أم من ملاحدة اليونان وتلاميذهم!
وأما باب السمعيات-أي البعث والحشر والجنة والنار والوعد والوعيد-فهم يقبلون فيه النصوص الشرعية، وبالتالي سموا هذا الباب بالسمعيات. في مقابل باب الإلهيات والنبوات، إذ إنهم يعتمدون فيهما على العقليات، وهؤلاء شابهوا حال من قال الله تعالى فيهم: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ ٢.
ومن ذلك مثلاً هناك مسألة يطرحها بعض الأشاعرة ويطرحها غيرهم فيقولون: الدلائل النقلية، ويقصدون بها الكتاب والسنة، هل تفيد اليقين؟ (١) بمعنى هل هي قاطعة الدلالة؟
فالجواب عندهم: لا، ويبدؤون تعليلاتهم بعد ذلك بقولهم: قيل: لا،
أولاً: لتوقفه على العلم بالوضع والإرادة، أي بما أنه كلامٌ لفظي فإنه لابد عند ذلك من النظر في وضع اللغة، وأصل اللغة ومراد المتكلم.
والأول: الذي هو وضع اللغة قالوا: يثبت بنقل اللغة والنحو والصرف، يعني تعرف أن اللغة ينقلها علماء اللغة، ويتناقلها الناس، وكذلك علم النحو والصرف وأصولها، أي أصول هذه العلوم تثبت برواية الآحاد وفروعها بالأقيسة وكلاهما ظنيان.
وكل هذا كلام فلسفي لنقضٌ وهدمٌ لكلام الله ﷿ وكلام رسوله ﷺ بأرائهم وعقولهم.
والثاني: الذي هو الإرادة، أي: مراد المتكلم يتوقف على أمورٍ ذكروها وهي: عدم النقل، والاشتراك، والمجاز، والإضمار، والتقسيط، والتقديم، والتأخير، والكل لجوازه لا يجزم بانتفائه بل غايته الظن".