للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سوقة أن يرجع، أو أن يتوب، أو يقلع، فلم يفعل. فذهب إلى الوالي، فأخذه فضرب عنقه وصلبه» (١).

وقد جاء من المتأخرين من رأى أن قتله كان لأسباب سياسية فحسب (٢)، ونص كثير منهم على قول سلم له حين قتله: «لا تقوم علينا مع اليمانية أكثر مما قمت»، ويرون أن هذا صريح في أن سبب قتله أمر سياسي. حيث ورد هذا السبب في عدد من الروايات قال الحافظ ابن حجر: «وكان قتل جهم بن صفوان سنة ثمان وعشرين، وسببه أنه كان يقص في عسكر الحارث بن سريج، الخارج على أمراء خراسان، فقبض عليه نصر بن سيار، فقال له: استبقني. فقال: لو ملأت هذا الملأ كواكب، وأنزلت إلي عيسي ابن مريم، ما نجوتك. والله لوكنت في بطني لشققت بطني حتى أقتلك، ولا تقوم علينا مع اليمانية أكثر مما قمت، وأمر بقتله (٣).

والذي يترجح أن التعبير بمقولة أسباب سياسة هي مقولة محدثة نقلها بعض المتأخرين من كلام بعض المستشرقين فمما وقفت عليه أن المستشرق "شارل بلاذا" في كتابه "الجاحظ" حيث قال عن مقتل الجعد بن درهم: (وقد تكون هناك أسباب سياسية أو عداء شخصي بين هشام والجعد لا تشير إليه المصادر، وجعلت هشام بن عبد الملك يأمر بقتل الجعد) وكذلك علي سامي النشار حيث قال: (لا نستطيع أن نصدق أن قتله -أي الجعد-كان لآرائه الفكرية، بل يبدو أنه لسبب سياسي) وهذا التشكيك لا مستند له إلا التخرصات والأوهام ولذلك لم يستطع أحد منهما أن يبرهن لذلك ويدلل عليه.

وجمال الدين القاسمي في كتابه تاريخ الجهمية والمعتزلة حيث قال: " ومن تأمل ما قص يعلم أن قتل جهم إنما كان الأمر سياسي لا ديني، وقد صرح بذلك سلم (رئيس شرطة نصر) قاتله بقوله: والله لا يقوم علينا من اليمانية أكثر مما قمت فتفطن


(١) تاريخ الإسلام للذهبي (حوادث سنة ١٢١ - ١٤ خ هـ، ص ٦٧).
(٢) منهم الشيخ جمال الدين القاسمي -في كتابه (تاريخ الجهمية والمعتزلة، ص ١٦). وينبه أن الشيخ، مع جلالته وعلمه، وقع في أخطاء فاحشة في هذا الكتاب، حيث وصف جهما بأنه كان «داعية للكتاب والسنة، ناقماً على من انحرف عنهما، مجتهداً في أبواب من مسائل الصفات … (ص ١٨)»، وعلى كل حال، فكل يؤخذ من قوله ويرد إلا محمد ، ولعله كان يرى هذا الرأي في المرحلة الأولى من حياته حيث كان -كما صرح بنفسه -أشعري المعتقد، ثم انتسب إلى أهل السنة.
(٣) لسان الميزان لابن حجر (٢/ ٣٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>