للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية حول هذه المناظرة: «فهذا الذي ذكره الإمام أحمد من مبدأ حال جهم إمام هؤلاء المتكلمين النفاة يبين ما ذكرته فإنه لما ناظر من ناظره من المشركين السمنية من الهند، وجحدوا الإله، لكون الجهم لم يدركهـ شيء من حواسه، لا ببصره، ولا بسمعه، ولا بشمه، ولا بذوقه، ولا بحسه، كان مضمون هذا الكلام أن كل ما لا يحسه الإنسان بحواسه الخمس، فإنه ينكره ولا يقر به، فأجابهم الجهم: أنه قد يكون في الموجود ما لا يمكن إحساسه بشيء من هذه الحواس، وهي الروح التي في العبد، وزعم أنها لا تختص بشيء من الأمكنة، وهذا الذي قاله هو قول الصابئة الفلاسفة المشائين (١).

وقال أيضا: «فكان حق الجهم أن يقول لهم: إن أردتم أني لا بد أن أحس بإلهي فلا يجب عندكم أن ينكر الإنسان ما لم يحسه هو. وإن أردتم أنه لا بد أن يمكن أن يحس به فإلهي يمكن أن يرى وأن يسمع كلامه. وإن أردتم أنه لا بد أن يكون قد عرفه بالحس بعض الآدميين، فهذا -مع أنه غير واجب -فقد سمع كلامه من سمعه من الرسل، وهو أحد الحواس، وقد رآه بعضهم أيضا عند كثير من أهل الإثبات قالوا: وكان يقول لهم: أتريدون أنه لا بد أن يحسه هذا الحس الظاهر، أم يكفي إحساس الباطن إياه وشهوده إياه؟ الأول منقوض بأحوالنا الباطنية، الجسمانية والنفسية، وأما الثاني فمسلم، وقد شهدته بعض القلوب. فعدل عن ذلك، وادعي وجود موجود لا يمكن إحساسه، وهو الروح، وهذا هو قول المتفلسفة المشائين … إلخ. (٢)

وهذه الشبهة تقوم على النظرة الفلسفية، وهي أن الإيمان فقط ينحصر في المحسوس المشاهد، وأنه لا قيمة لشيء بعد ذلك، وأنه لا يمكن أن نؤمن بشيء خارج هذه الحواس. فالمبدأ الفلسفي يقوم على ركيزتين

الأولى: أن مصدر العلم هو عقل الإنسان،

والثانية: وأن العلوم محصورة في المحسوس المشاهد.

ورد هذه الشبهة بسيط، فالإيمان لا يتوقف على المحسوسات، فالإنسان يؤمن بكثير من الأشياء وهو لا يحسها ولا يشاهدها، فالإيمان لا يتوقف على المحسوس والمشاهد. لكن الجهم لما قال له هؤلاء هذه الشبه تأثر بها حتى إنه بقي أربعين يومًا لا يصلي.


(١) التسعينية (١/ ٢٤٧).
(٢) بيان تلبيس الجهمية (١/ ٣٢٠)، بتصرف يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>