للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

دولة الفاطميين فبدأت لهم دولة، ومن الجانب الاثنا عشري الجعفري الإمامي ظهرت الدولة البويهية فكان لها دور، ثم الدور الأظهر للدولة الصفوية، وكذلك حتى الأشاعرة أصبح لهم دولة لما قام ابن تومرت (١) وأسَّس دولة الموحدين، فبدأ يُنْشَاأُ لهم دولة، فهكذا الفكر إذا وجد له دولة أصبح له شر وخطر عظيم، إذا كان فكرًا منحرفًا عن الحق، فلما ظهر لهم دولة أصبحت لهم شوكة، وأصبحوا بعد ذلك يُكرِهون الناس كَرْهاً على أقوالهم ومقالاتهم.

ومن هنا نعرف مكانة أهل السنة وكيف أنهم أعرف الناس بالحق، وأرحم الناس بالخلق، فما ألزموا الناس إلزامًا بهذه القوة والإكراه مع أنهم يجتهدون في دعوة الناس وقيام الحق لهم، ولكن ليس بالقوة التي فعلها هؤلاء بحيث يأخذون من السلطان أمرًا، بأن من لم يقل بهذه المقالة كما فعل هؤلاء في عهد المأمون يعزل من منصبه، وبعد ذلك يطرد كما فعل وامتحن القضاة، وامتحن العلماء، وامتحن الأئمة في هذا امتحانًا عظيمًا، وهو ما يعرف بمحنة الإمام أحمد ابن حنبل أو فتنة القول بخلق القرآن، واقرأ هذا تعرف كيف أن هؤلاء المعتزلة والجهمية لما مكن لهم فعلوا الأفاعيل، وفتنة القول بخلق القرآن ليست فقط عند المعتزلة، وإنما تبناها كذلك الجهمية، وتبناها كذلك المرجئة، فهناك مشارب مختلفة اجتمعت على هذا، وامتحنت أهل السنة في ذلك.

فبدأ بعد ذلك شيخ الإسلام يريد أن يبين زمن انتشار المقالة، لأن لها زمن ظهور، وزمن انتشار، فزمن الظهور بدأ مع الجهم، وزمن الانتشار بدأ في عهد المأمون، وفي هذه المرحلة أخذت هذه المقالة أبعاداً متعددة تمثلت في الأمور التالية:


(١) المهدي بن تومرت (٥٢٤ هـ) صاحب دولة الموحدين واسمه أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت، الذي تلقب بالمهدي، وكان قد ظهر في المغرب في أوائل المائة الخامسة، وكان قد دخل إلى بلاد العراق، وتعلم طرفاً من العلم، وكان فيه طرف من الزهد والعبادة، ولما رجع إلى المغرب صعد إلى جبال المغرب ونشر دعوته بين أناس من البربر وغيرهم من الجهال الذي لا يعرفون من دين الإسلام إلا ما شاء الله فعلمهم بعض شرائع الإسلام واستجاز أن يظهر لهم أنواعاً من المخاريق ليدعوهم بها إلى الدين، وادعى أنه المهدي الذي بشر به رسول الله . وعظم اعتقاد أتباعه فيه، واستحلوا بسبب ما علمهم من المعتقد الأشعري والفلسفي دماء ألوف مؤلفة من أهل المغرب المالكية الذين كانوا على معتقد أهل السنة واتهموهم زوراً وبهتاناً أنهم مشبهة مجسمة ولم يكونوا من أهل هذه المقالة.
فكان ابن تومرت هو السبب في إدخال العقيدة الأشعرية في بلاد المغرب التي كانت قبل ذلك سنية سلفية فحسبنا الله ونعم الوكيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>