للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والفريق الثاني: الكلابية ومن وافقهم

فقال: "وَكَانَ إمَامُ الْمُعْتَزِلَةِ أَبُو الهذيل الْعَلَّافُ وَنَحْوُهُ مِنْ نفاة الصِّفَاتِ قَالُوا: يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ جِسْمًا وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ.

قَالَ هَؤُلَاءِ (يعني المشبهة): بَلْ هُوَ جِسْمٌ وَالْجِسْمُ هُوَ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ أَوْ الْمَوْجُودُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَالَاتِ وَطَعَنُوا فِي أَدِلَّةِ نفاة الْجِسْمِ بِكَلَامِ طَوِيلٍ لَا يَتَّسِعُ لَهُ الْجَوَابُ هُنَا. ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ قَالَ: هُوَ جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ وَمِنْهُمْ مَنْ وَصَفَهُ بِخَصَائِصِ الْمَخْلُوقَاتِ وَحُكِيَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مَقَالَاتٌ شَنِيعَةٌ.

وَجَاءَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ كُلَّابٍ فَقَالَ هُوَ وَأَتْبَاعُهُ: هُوَ الْمَوْصُوفُ بِالصِّفَاتِ وَلَكِنْ لَيْسَتْ الصِّفَاتُ أَعْرَاضًا؛ إذْ هِيَ قَدِيمَةٌ بَاقِيَةٌ لَا تَعْرِضُ وَلَا تَزُولُ وَلَكِنْ لَا يُوصَفُ بِالْأَفْعَالِ الْقَائِمَةِ بِهِ كَالْحَرَكَاتِ؛ لِأَنَّهَا تَعْرِضُ وَتَزُولُ.

فَقَالَ ابْنُ كَرَّامٍ وَأَتْبَاعُهُ: لَكِنَّهُ مَوْصُوفٌ بِالصِّفَاتِ وَإِنْ قِيلَ إنَّهَا أَعْرَاضٌ وَمَوْصُوفٌ بِالْأَفْعَالِ الْقَائِمَةِ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَتْ حَادِثَةً. وَلَمَّا قِيلَ لَهُمْ: هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ جِسْمًا قَالُوا: نَعَمْ هُوَ جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا دَائِمًا وَإِنَّمَا الْمُمْتَنِعُ أَنْ يُشَابِهَ الْمَخْلُوقَاتِ فِيمَا يَجِبُ وَيَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَطْلَقَ لَفْظَ الْجِسْمِ لَا مَعْنَاهُ. وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ النُّظَّارِ بُحُوثٌ طَوِيلَةٌ مُسْتَوْفَاةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

وَأَمَّا "السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ" فَلَمْ يَدْخُلُوا مَعَ طَائِفَةٍ مِنْ الطَّوَائِفِ فِيمَا ابْتَدَعُوهُ مِنْ نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ بَلْ اعْتَصَمُوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَرَأَوْا ذَلِكَ هُوَ الْمُوَافِقُ لِصَرِيحِ الْعَقْلِ فَجَعَلُوا كُلَّ لَفْظٍ جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ حَقًّا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ وَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ حَقِيقَةُ مَعْنَاهُ وَكُلُّ لَفْظٍ أَحْدَثَهُ النَّاسُ فَأَثْبَتَهُ قَوْمٌ وَنَفَاهُ آخَرُونَ فَلَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نُطْلِقَ إثْبَاتَهُ وَلَا نَفْيَهُ حَتَّى نَفْهَمَ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ" (١)

وعليه فإن الخلاف مع المعطلة لم يكن مع صنف واحد وإنما هو مع أصناف وطوائف ولكل واحد من هؤلاء قوله الذي يتميز به مع أن السلف في ذلك الحين يطلقون عليهم اسم "الجهمية" والمقام هنا يستدعي أن نعطي نبذة سريعة عن الجهمية فنقول:

كلمة الجهم أو مصطلح الجهمية: يطلق عند العلماء ويراد به أحد الأمرين:

الأمر الأول: الإطلاق الخاص فالمقصود به: الجهمية الفرقة بعينها أي أتباع الجهم بن صفوان.


(١) مجموع الفتاوى ٦/ ٣٥ - ٣٦

<<  <  ج: ص:  >  >>