أهل الكلام والفقه وطائفة من أهل الحديث، ومنهم من يقر بالصفات الواردة في الأخبار -أيضًا- في الجملة، لكن مع نفي لبعض ما ثبت بالنصوص وبالمعقول، وذلك كأبي محمد بن كلاب ومن اتبعه، وفي هذا القسم يدخل أبو الحسن الأشعري وطوائف من أهل الفقه والكلام والحديث والتصوف، وهؤلاء إلى أهل السنة المحضة أقرب منهم إلى الجهمية والرافضة والخوارج والقدرية، لكن انتسب إليهم طائفة هم إلى الجهمية أقرب منهم إلى أهل السنة المحضة، فإن هؤلاء ينازعون المعتزلة نزاعًا عظيمًا فيما يثبتونه من الصفات وأعظم من منازعتهم سائر أهل الإثبات فيما ينفون.
وأمَّا "المتأخرون" فإنهم والوا المعتزلة وقاربوهم أكثر، وقدموهم على أهل السنة والإثبات، وخالفوا أوليهم، ومنهم من يتقارب نفيه وإثباته، وأكثر النَّاس يقولون: إن هؤلاء يتناقضون فيما يجمعونه من النفي والإثبات. " (١)
وعليه يعلم أن لفظ الجهمية يطلق أحيانًا على وجه أخصّ، وأحيانًا يطلق على وجه أعمّ، فمثلاً ابن كثير يكتب في الرد على الجهمية، وهو لا يعني الفرقة بعينها أتباع الجهم، وإنما يريد كذلك المعتزلة، ويريد كذلك الكلابية، وأحيانًا يريد معهم الأشاعرة، والماتريدية.
فإذًا مصطلح الجهمية أحيانًا يراد به الغالية منهم وهم أتباع الجهم، وأحيانًا يدخل فيه المعتزلة والكلابية والأشاعرة والماتريدية، فالجهم تلميذ للجعد كما تقدم، أخذ عنه المقالة ولما عرف مصير الجهم فرَّ وهرب، والتحق بخرسان عند الحارث بن سريح لأنه كان خارجًا على بني أمية، وجعله الحارث هو الناطق بدعوته الذي كان يأتي لمجالس الناس ومساجدهم ويدعو إلى الخروج.
واستطاع بذلك أن ينشئ له فرقة، وتمكَّن بذلك أن تكون له مهلة من الوقت استطاع بها أن يكون له أتباع، مع أن هشام بن عبد الملك أصدر أمرًا بقتله، لكن تأخر هذا الأمر إلى قرب نهاية دولة بني أمية، وذلك عام مائة وثمانية وعشرين من الهجرة حتى نُفِّذ هذا الأمر بعد القضاء على فتنة الحارث بن سريح. فانتهى الجهم، وكان آخر أمره القتل، لكن مقالته بعد ذلك استمرت بتلاميذه.
والمعتزلة كانوا في ذلك معاصرين للجهم، لكن ما كان المعتزلة كواصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد يقولون بمقالة نفي الصفات فمقالة نفي الصفات دخلت على