للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المعتزلة بعد ذلك، أما واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، فهؤلاء رؤوس المعتزلة الذين أسَّسوا الاعتزال، فهؤلاء كانوا يعرفون بمقالة القدر، القدرية وكانوا يعرفون كذلك بمسألة مرتكب الكبيرة، وكان لهم أقوال في شأن الصحابة مثل قول واصل بن عطاء: "لو أن الفريقين علي ومعاوية جاءوا يشهدون عندي على حزمة بقل لرددت شهادة الاثنين" (١) فكان ينظر إليهم هذه النظرة، وموقفهم من الصحابة مذكور ومحفوظ.

فالاعتزال بعد ذلك تطوَّر، فأصبح له عدة مشارب يأخذ منها، فأخذ من القدرية وأخذ من الخوارج، وأخذ من الرافضة، وأخذ من الجهمية، وأصبح يجمع أفكاراً متعددة كما ترى اليوم في بعض الجماعات، وصدق الله إذ يقول: ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الملك: ٢٢]، فتجد في المعتزلة أقوال الخوارج، وتجد فيهم أقوال الروافض، وتجد فيهم أقوال القدرية، وتجد فيهم أقوال الجهمية.

مع أنه لم يكن أوائل المعتزلة يعرفون هذه المقالة أو يقولون بها، وإنما الأمر دخل بعد ذلك بواسطة تلاميذ هؤلاء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح الأصفهانية أن أوائل المعتزلة "أوائل المعتزلة لم يكونوا يقولون بنفي الصفات".

فالجهمية هم أول من تبنى هذه المقالة إلى أن تلقَّفها عنهم المعتزلة، فكان هذا الأمر موجوداً حتى بعد مقتل الجهم، فمثلاً بشر بن غياث المريسي الذي يرد عليه الدارمي وغيره، ما كان معتزليًا، وإنما كان جهمياً، لأنه في مسائل الإيمان ليس مع المعتزلة وإنما هو مع المرجئة، فبالتالي الذين كانوا في فتنة القول بخلق القرآن ليس هم المعتزلة وحدهم، وإنما هو جمعٌ من أهل البدع، منهم المعتزلة، ومنهم النجارية، ومنهم الجهمية، ومنهم المرجئة، كل هؤلاء تألُّبوا على أهل السنة، ومنهم حتى الخوارج، لأن الخوارج إلى يومنا هذا يحمِلون شيئًا من هذه الأفكار كالإباضية.

فالإباضية أفكارهم المذهبية هي نفس وعين أفكار المعتزلة، يتفقون معهم في قضايا نفي الصفات، فاتفقوا في ذلك جميعًا على أهل السنة، فالمسألة ليست مقتصرة على المعتزلة. والشاهد أن الجهمية لهم وجود حتى بعد مقتل الجهم، ولهم كيان، ولم يكن أوائل المعتزلة في ذلك العهد وذلك الحين قد تلقَّفوا أقوال الجهم


(١) انظر كتاب العرش للذهبي الجزء الأول، صفحة (٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>