للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإن كان كما هو معروف أن في تاريخ المقالات، أنَّ المقالة قد تتبناها فرقة بعينها، ثم بسبب ذلك تتلاشى الفرقة الأولى التي أحدثتها ثم بعد ذلك تنشأ فرقة أخرى تتبنى تلك المقالة، كما في مقالة القدرية.

فالقدرية الأوائل لم يكونوا معتزلة، إلى أن جاء المعتزلة وتبنُّوا فكرة القدر وحملوها، بعد ذلك تلاشى ما يسمى بالقدرية، واشتهر بعد ذلك أن القدرية هم المعتزلة، هذا معروف لمن درس في تاريخ المقالات والفرق، ولهذا الجانب أهميته ولابد أن يعتني به لأنه يعطي الصورة العامة لوقائع الأمور، فالانشغال بجزئيات المسائل لا يغني عن أخذ تصوُّر عام عن المسألة وعن نشأتها وعن تاريخها ونشأتها وتطورها، ولماذا جاء الجهمية والمعتزلة والكلابية والأشاعرة والماتريدية، كل هذا لابد أن يفهم تاريخياًّ كما يفهم في جانب الاعتقاد، فجانب تاريخ الفرق ونشأت المقالات أمر لا يستهان به؛ لأنه يضع في الذهن التصور العام عن مجمل القضية، وإن كان لا يغني عن معرفة تفاصيل المسائل، فلابد من معرفة تاريخ المعتزلة، وتاريخ الكلابية، وتاريخ الأشاعرة، وتاريخ الماتريدية، فكل هذه المسائل ينبغي أن يتم الوقوف عندها لأنها مهمة، وتعطي تصوُّرًا يعين على فهم سير الأمور كيف سارت، وكيف إلى اليوم لا يزال لذلك الفكر وجود، ولا يزال لتلك المقالات أنصار وأعوان على تغير البعض أو تلاشي البعض من تلك الفرق، وظهور مسميات أخرى.

وعلى سبيل المثال لابد وأنت تدرس هذا الباب أن تفهم ما علاقة الإباضية بنفي الصفات، فالإباضية اليوم لهم وجود، ويتبنون ويحملون فكر نفي الصفات، فمن أين جاء هذا؟

والرافضة، الإمامية أيضًا يتبنون هذا الأمر، ولو اجتمعت بأحد منهم سيعرض عليك نفس شُبَه المعتزلة، فما هي العلاقة الوثيقة التي جعلت الرافضة يتبنون الفكر الاعتزالي، كل هذا لابد أن يفهمه الدارس لهذا الباب حتى يتصور المسألة تصوُّرًا عامًا، فالقاعدة تقول: الحكم على الشيء فرع عن تصوُّره، فالتصوَّر لمجمل المسألة، ومجمل الخلاف فيها، ومجمل سيرها تاريخًا، هذا يعينك على الفصل بين المسائل لأن الكثير عندما تسأله ما قول المعتزلة في المسألة؟

تجده لا يفرق بين قولهم وقول الأشاعرة، فليس عنده تصوُّر ولا تمييز بين هؤلاء، والبعض أيضًا قد لا يتصور أن لهذا الكلام وجود إلا في المعتزلة الأوائل

<<  <  ج: ص:  >  >>