للصفات من السابقين، فمنذ الجويني كثر الإنكار في الصفات عن معتقد السابقين، فلو عقدت مقارنةً بين أوائل الأشاعرة وبين متأخريهم لوجدت مثلًا أن الأوائل إنما كان خللهم في صفات الأفعال الاختيارية، أما الصفات الذاتية والصفات الخبرية فقد كانوا يثبتونها، فلو قرأت لمتقدمي الأشاعرة في الصفات الخبرية مثلًا إثبات صفة الوجه واليدين والأصابع وغير ذلك؛ فتجد أنه كان البيهقي وأبو الحسن الأشعري والمتقدمون من الأشاعرة يثبتون هذه الصفات، يثبتون الوجه ويثبتون اليدين ويثبتون الأصابع، يثبتون الصفات الخبرية، وكذلك يثبتون الصفات الذاتية، وإنما كان الخلل عندهم بالتحديد في صفات الأفعال الاختيارية كالغضب والرضا والسخط وغير ذلك، هذه التي كانوا أحيانًا يقع تحريفهم فيها على نوعين: إما أن يجعلوها مثل الصفات الذاتية أي أنها صفات قائمة أزلًا، أو أنهم يخلطون بين الفعل فيها والمفعول، وبالتالي يجعلونها هي المفعولات.
فمثلًا في الاستواء أو النزول يثبتون الاستواء ولكن يقولون: إن الاستواء هو فعل فعله الله في العرش (١) وبالتالي الاستواء صفة للعرش وليس صفةً لله تعالى أو أن النزول صفة للسماء وليس صفةً لله تعالى، من هذا القبيل.
ولكن إذا جئت إلى الأشاعرة المتأخرين لا تجد عندهم من الإثبات إلا سبع صفات فقط، والبقية كلها تأوَّل وتحرف، فهم مثلًا ينفون صفة الوجه وينفون صفة اليدين وينفون سائر الصفات ما عدا السبع التي هي معلومة، وهي الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام، وإن كان في الكلام كلام، لأنهم لا يثبتون الكلام كما يثبته أهل السنة والجماعة.
فشاهدنا أن الأشاعرة كلما امتد بهم الزمان كلما ازدادوا قربًا للاعتزال، فالجويني تأثر كثيرًا بكتب المعتزلة، وهكذا الشأن مع الغزالي إلى أن وصل الأمر إلى الرازي، والرازي هو منظر الأشعرية المتأخرة، ومن جاء بعده إنما هو عيال عليه، وقد مال بها كثيرًا إلى الفلسفة والاعتزال.
وأما حقيقة الخلاف بين أهل السنة والأشاعرة والفوارق بين عقيدة أهل السنة وعقيدة الأشاعرة.
فأول هذه الفوارق وأعظمها وأكبرها هو الخلاف في مصدر التلقي في مسائل الاعتقاد، ومن أين نأخذ هذه المسائل؟ هل نأخذها من الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة أم من العقل؟ فمنهج أهل السنة والجماعة يقوم على أساس أن كل مسائل الاعتقاد تؤخذ بحمد الله من الكتاب والسنة ففيهما الغنية والكفاية، وذلك وفق فهم
(١) انظر كتاب مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية الجزء الخامس برقم (٤٣٧).