للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أيضًا من بين مخالفاتهم في التوحيد أنهم يقولون: إن أول واجب على المكلف النظر، والنظر عندهم يسبقه شك، فيقولون: يجب على المكلف أن يجرِّد ذهنه من أي اعتقاد سابق، ثم بعد ذلك يبدأ وينظر في الأدلة حتى يكون عنده إيمان من غير تقليد، ولذلك عندهم مسألة: هل إيمان المقلِّد يصح؟ فالبعض منهم يقول: لا يصح، والبعض منهم يقول: يصح ولكنه يكون عاصيًا بترك هذا الاستدلال.

وهي مسألة من أساسها فاسدة؛ لأنه ما من أحد يفعل مثل هذا فيكون عندما بلغ سن البلوغ والتكليف جرَّد ذهنه من كل اعتقاد وبدأ ينظر في وجود الله تعالى وفي الإيمان وفي التوحيد.

فهذه مسألةٌ، كثيرٌ من الأشاعرة يبدأ بها، فانظر مثلًا كتاب الإرشاد للجويني، أول مسألة في كتاب الإرشاد للجويني، مسألة باب أحكام النظر، فيقول: اعلم أن أول واجب على العاقل البالغ باستكمال سن البلوغ النظر أو القصد إلى النظر. (١) أوجب شيئًا ما أوجبه الله تعالى؛ ولم يوجبه رسوله .

ولذلك من المضحك أنهم يفرِّعون على هذه المسألة مسائل في الفقه؛ ويقولون: لو أن شخصًا تزوج بجارية قبل البلوغ، فما حكم العقد بعد البلوغ؟ فالبعض يفتي بوجوب تجديد العقد بعد البلوغ؛ لأن الإيمان السابق لا يعتد به وإنما الإيمان يبدأ بعد البلوغ.

ومسائل الصفات وهي محل مثل هذه الفتوى، نتحدث عنها -إن شاء الله-عندما ندخل في هذه المسائل في مسائل الصفات.

قال ابن تيمية: "ومن سلك الطرق الشرعية النبوية لم يحتج في إثباتها إلى أن يشك في إيمانه الذي كان عليه قبل البلوغ ثم يحدث نظرا يعلم به وجود الصانع، ولم يحتج إلى أن يبقى شاكّا مرتابا في كل شيء وإنما كان مثل هذا يعرض للجهم بن صفوان وأمثاله فإنهم ذكروا أنه بقي أربعين يوما لا يصلي حتى يثبت أن له ربّا يعبده، فهذه الحالة كثيرا ما تعرض للجهمية وأهل الكلام الذين ذمهم السلف والأئمة، " (٢)

أما توحيد الألوهية فلا ذكر له؛ لأن المعتقد الأشعري معتقد يقوم على مسائل النظر دون مسائل العمل، ولذلك ما من أشعري إلا وهو بحاجة إلى الصوفية، فترى قائلهم يقول: أنا أشعري العقيدة نقشبندي الطريقة أو رفاعي الطريقة أو تيجاني


(١) انظر كتاب الإرشاد صفحة (٢٥).
(٢) شرح العقيدة الأصفهانية ١/ ١٨٢

<<  <  ج: ص:  >  >>