بربوبيته وإفراده بالعبادة، فلا بد من هذه الأمور مجتمعة، فلا يتم توحيد العبد حتى يكون مؤمنًا بأسماء الله تعالى وصفاته، مؤمنًا بربوبيته ومفردًا له بالعبادة والألوهية.
أما التوحيد الذي عند الأشاعرة فهو فقط منحصر في مسألة واحدة وهي قضية الربوبية، طبعًا ويعرفون التوحيد بقولهم: إن الله واحد في ذاته لا شريك له، وواحد في أفعاله لا ند له، وواحد في صفاته لا نظير له فقولهم: واحد في ذاته؛ فهذا إذا نظرت فيه وتأملت فيه تجد فيه إنكار لأن يكون لله وجوداً يتميز به عن غيره، فهم يحشون هذا الجانب بمسائل إنكار الجهة وإنكار الحيز وإنكار المكان إلى غير ذلك من النفي الذي لو جئت تتأمل فيه تجد أنهم لا يثبتون لله وجودًا يتميز به عن غيره، فإذا كان قائلهم يقول: لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا مباينًا له ولا محايدًا له (١). إذاً هذا وصف المعدوم، فهذا قولهم "واحد في ذاته".
وأما قولهم "واحد في أفعاله" فهذا الذي يسلم لهم من التوحيد، وهذا القدر الموجود عندهم وهو الإقرار بربوبيته.
وأما واحد في صفاته فهو عند المتأخرين سبع صفات وإن أوصلوها إلى عشرين صفة وهو عدد زائف لا يخلص منه إلا هذه السبع التي ذكروها وإن كان في إثبات صفة الكلام مخالفة للحق.
أما توحيد الألوهية فلا ذكر له، ولذلك انظر إلى أي مجتمع أشعري أو ماتريدي تجد أن الشرك قد تفشى فيه.
إذًا أي توحيد هذا الذي يقرر ويعلم، الذي في الوقت ذاته وفي الوقت نفسه تجد معالم الشرك موجودة ومنتشرة، ولا تجد من يردع ذلك حتى بين علمائهم، ليس الأمر مقتصرًا على جهالهم، لو كان الأمر مقتصرًا على جهالهم لقلنا هذا لجهلهم، ولكن حتى علماؤهم يَدْعون إلى هذا الشرك ولا يرون فيه مخالفةً أو مناقضةً للتوحيد.
فإذًا فرقٌ بين توحيد أهل السنة وتوحيد الأشاعرة؛ فإن توحيد أهل السنة يعني إفراد الله بأسمائه وصفاته كلها وإفراد الله بربوبيته وإفراد الله بعبادته، وهذا هو التوحيد عند أهل السنة، ولا يتم توحيد العبد حتى يوحد الله في هذه الأمور المجتمعة، ولذلك تجد أن أهل السنة أبعد الناس عن الشرك ومظاهره حتى عند عوامِّهم، تجد أن العامِّي يعرف أن فعل هذه الأمور يؤدي إلى الشرك ولذلك تختفي معالم الشرك متى ما وجد اعتقاد أهل السنة.
(١) انظر كتاب درء تعارض العقل والنقل الجزء الخامس صفحة (١٢٨).