للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فهل النبي--قسم أصحابه إلى قسمين، فقال: تعال يا فلان وفلان، أنتم علماء أعطيكم هذا العلم، وأنت يا فلان وفلان أعرضوا عن هذه النصوص لأنكم لا تفهمونها لكونكم عوام سأعطيكم علمًا آخر؟ فهذا تعليلهم؛ "لأن عقول العوام لا تتسع لقبول المعقولات، " أي لا تتسع للمنطق والفلسفة.

"وأما العلماء فاللائق بهم تعريف ذلك وتفهمهم، ولست أقول أن ذلك فرض عين، إذ لم يريد به تكليف وللتكليف التنزيه عن كل ما تشبه بغيره. " إلى آخر كلامه، فإذًا قسم الناس إلى عوام وعلماء، وعلل بأن العوام لا يخاض فيهم في هذه المسائل لأن عقولهم لا تتسع لقبول المعقولات.

فعلى هذا الزعم جعل الشريعة فيها خطاب للعوام وفيها خطاب للعلماء، وكأن هذه العقيدة الموجودة في القرآن والسنة هذه عقيدة العوام، وأما الأشعرية ومنهج الأشاعرة فهذا عقيدة العلماء، فالذي يقرأ: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥] وقول النبي "يَنْزِلُ اللهُ ﷿ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا " (١) إنما هما خطاب للعوام، وذلك يعني أن من كان على الكتاب والسنة هم ما زالوا في عاميتهم وعقولهم لا تتسع لقبول المعقولات أي المنطق والفلسفة.

هذا ميزانهم، ولذلك لاحظ أنت اليوم على مدارس الأشاعرة كيف أنها تهمل مصطلح الحديث، فإهمالهم لعلم مصطلح الحديث وتركيزهم على علم المنطق هذا دليل على أنه لو نشؤا فيه الناشئة على هذا الميزان الذي هو عند أهل الحديث لانعكس الأمر وانقلب عليهم، ولذلك علم مصطلح الحديث يعدُّ شوكةً في حلوقهم، فلو وجد هذا العلم وانتشر لكان هذا فيه أكبر رد عليهم.

ولذلك ابن حجر يعارضهم في هذه المسألة، ويردُّ عليهم في هذه المسألة، وهي حجية خبر، خبر الواحد أو أخبار الآحاد وهل يحتج بها أو لا يحتج بها، واقرأ في هذا، مقدمة ابن حجر في فتح الباري تجد أنه يصارع الأشاعرة في هذه المسألة ويرد عليهم ويرد على المعتزلة.

فالخلاف في مصدر التلقي واضح، لذلك هذا الخلاف على أساسه تجد أنه ينعكس في مسائل الاعتقاد، فخذ مسألة التوحيد، وقارن بين مفهوم التوحيد الذي يقرره أهل السنة والتوحيد والذي يقرره الأشاعرة.

فالتوحيد الذي يقرره أهل السنة يقوم على معرفة أسماء الله وصفاته، الإقرار


(١) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>