للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أو مساويًا له، وكل ذلك لا يخلو عن التقدير وأنه لو جاز أنه يماسه جسم من هذه الجهة لجاز أن يماسه من سائر الجهات فيصير محاطًا به، والخصم لا يعتقد ذلك بحال وهو ولازم على مذهبه بالضرورة وعلى الجملة لا يستقر على الجسم إلا جسم ولا يحل فيه إلا عرض. "

طبعًا هذه كلها شُبَه عقلية يوردونها على نفي خبرٍ الله تعالى أخبر به، إذ قال: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥] أخبر-﷿-بهذا، فيأتون بهذه الأمور وسنأتي إلى كلام شيخ الإسلام ويعرض فيها بعض هذه الشبه التي يقولونها.

"وعلى الجملة أعني لا يستقر على الجسم إلا جسم ولا يحل فيه إلا عرض، وقد بان أنه تعالى ليس بجسم ولا عرض فلا يحتاج إلى إقران هذه الدعوة بإقامة البرهان، فإن قيل: ما معنى قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥] وما معنى قوله : يَنْزِلُ اللهُ ﷿ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا (١). قلنا الكلام على الظواهر الواردة في هذا الباب طويل، ولكن نذكر منهجًا في هذين الظاهرين يرشد إلى ما عداه. يضع قاعدةً ومنهجًا يعني ما يأتي بعده يسير على هذا المنهج وعلى هذه القاعدة "وهو أنا نقول: الناس في هذا فريقان: عوام وعلماء، والذين نراه اللائق بعوام الخلق ألا يخاض بهم في هذه التأويلات. " ألا يخاض بهم في هذه التأويلات، "بل ننزع عن عقائدهم كل ما يوجب التشبيه ويدل على الحدوث ونحقق عندهم أنه موجود ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. "

"فإذا سألوا. " أي سأل العوام؛ "عن معاني هذه الآيات زجروا عنها وقيل: ليس هذا بعشكم فادرجوا فلكل علم رجال، ويجاب ما أجاب به مالك بن أنس وبعض السلف حيث سئل عن الاستواء فقال: الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب. هذا لأن عقول العوام لا تتسع لقبول المعقولات. " ويبررون لهذا بأن عقول العوام لا تتسع لقبول المعقولات، "ولا إحاطتهم باللغات ولا تتسع لفهم توسيعات العرض والاستعراض. " يعني لا تتسع للمنطق والفلسفة وهل يعقل مثل هذا التعليل لهذا الأمر.


(١) انظر صحيح البخاري كتاب التهجد، بَابُ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، برقم (١١٤٥)، ومسلم كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا، بَابُ التَّرْغِيبِ فِي الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَالْإِجَابَةِ فِيهِ (٧٥٨)، وأبو داود (١٣١٥)، والترمذي (٤٤٦)، وابن ماجه (١٣٦٦)، والإمام أحمد في المسند مُسْنَدُ الْمُكْثِرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ (٧٥٠٩)، والدارمي (١٥١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>