للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال الإمام ابن عبد البر-: «الذي عليه أهل السنة، وأئمة الفقه والأثر، في هذه المسألة (١) وما أشبهها، الإيمان بما جاء عن النبي فيها، والتصديق بذلك، وترك التحديد والكيفية في شيء منه» (٢).

إلى غير ذلك من الآثار الواردة عن السلف في ذم التشبيه وأهله، كلها تدل على سلامة مذهب السلف مما نسب إليهم من التشبيه والتمثيل، وأن مذهبهم إثبات الصفات من غير تمثيل ولا تكييف، وتنزيه الله ﷿ من غير تعطيل ولا تحريف.

ويقال أيضاً في الرد على الطائفتين: من خلال أثر الإمام نعيم بن حمَّاد الخزاعي--الذي قال: «من شَبَّه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه» (٣)، أي ليس فيما وصف الله به نفسه تشبيه مما يحوجنا إلى تعطيل صفاته، كما تتوهم ذلك المعطلة، فإنهم لم يفهموا من هذه الصفات إلا ما هو اللائق بالمخلوق، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات، وتعطيل الله ﷿ عن صفاته اللائقة به من صفات الكمال (٤).

وهم في ذلك يستدلون بقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ على نفي الصفات، ويعمون عن تمام الآية في قوله: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (٥).

وليس في إثباتهم للصفات دليل للمشبهة، الذين قالوا: أن الله ﷿ لا يخاطبنا إلا بما نعقل، فمحال أن يخاطبنا بما لا نعقله ثم يقول: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (٦)، ونحن لا نعقل ولا نفهم إلا ما كان مشاهداً، فإذا خاطبنا عن الغائب بشيء وجب حمله على المعلوم في الشاهد، فأخبرنا عن اليد فنحن لا نعقل إلا هذه اليد الجارحة، فشبهوا صفات الخالق بصفات المخلوقين، فقالوا له يد كأيدينا، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً (٧).

لأن التباين الذي يقرُّ به كل مثبتة الذات، بين ذات الله ﷿ وذوات المخلوقين يوجب اضطراراً التباين بين صفات الخالق والمخلوق (٨)، ثم إن إثبات المماثلة بين الخالق والمخلوق يستلزم نقص الخالق سبحانه، والله منزه عن كل نقص (٩).


(١) أي: مسألة الصفات.
(٢) التمهيد لابن عبد البر (٧/ ١٤٨).
(٣) أخرجه عنه الذهبي بإسناده في سير أعلام النبلاء (١٠/ ٦١٠).
(٤) انظر: التدمرية ص (٧٩ - ٨٠).
(٥) انظر: شرح العقيدة الطحاوية (١/ ١٢١).
(٦) الآية [٧٣] من سورة البقرة.
(٧) انظر: مختصر الصواعق (١/ ٨٣)، تقريب التدمرية (ص ٢٢).
(٨) تقريب التدمرية (ص ٢٣ - ٢٤).
(٩) المصدر نفسه (ص ٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>