للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فمع إثبات حقائق الصفات، فإن أهل السُنَّة يعتقدون في نفس الأمر أن لله تعالى خصائص في تلك الصفات، فمثلاً إذا قلنا: حياة الله تعالى؛ فإن حياةَ اللهِ تعالى لها خصائص يختصُّ الله بها دون سائر المخلوقات، فمن خصائص حياة الله أن حياته الحياة الكاملة الدائمة التي لم تُسبَق بالعدم ولا يلحقها الزوال ولا يعتريها النقص بأي وجه من الوجوه، وهذا المقصود بنفي المماثلة.

فإذاً هذه الصفات تثبت لله تعالى على الحقيقة مع اعتقاد أن الله منزَّه في ذلك عن مماثلة الخلق، فالله يعلم الحقيقة، ولكنه في علمه لا يماثله في ذلك أحدٌ من خلقه، وكذلك يتكلم حقيقة، وكذلك لا يماثله في ذلك أحدٌ من خلقه، مع الأمر الثالث وهو عدم الخوض في الكيفية، كيف يتكلَّم؟ وكيف استوى؟ وكيف ينزل؟ هذا أمرٌ لا نخوض فيه؛ لأننا لم نطلع عليه ولا سبيل لنا إليه.

قول حافظ المغرب ابن عبد البر (٤٦٣ هـ): "أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئًا من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة، وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج، فكلهم ينكرها، ولا يحمل شيئًا منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود، والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة" (١).

فأهل السُنَّة يثبتون تلك الصفات على الحقيقة، وهذا ردٌ لمسألة «المجاز» ودعوى أن هذه الصفات في حق الله مجاز؛ بمعنى أنها ليس لها حقيقة في ذات الله تعالى، فمثلاً إذا جئت إلى الجّهْميَّة والمعتزلة فلو قالوا في كلام الله تعالى، فهم يقولون: «نعم نثبت صفة الكلام لكن على أساس أن الكلام شيءٌ مخلوق خلقه الله تعالى كما خلق السماوات والأرض» وبالتالي يقولون: «إن إطلاق هذا الوصف في حق الله مجاز ليس على حقيقته»، فينكرون وصف الله بصفة الكلام، ويقولون إن الكلام خلقٌ خلقه الله كما خلق السماوات وكما خلق الأرض، بائن عن ذاته، هذا قول المعتزلة، فلذلك يقولون: «القرآن مخلوق» (٢) على هذا الأساس.


(١) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (٧/ ١٤٥).
(٢) انظر كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية الجزء السادس صفحة (٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>