للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بقوة ذكائه أن يخيِّل للناس أن هناك رباًّ على الحقيقة، وأن نتجلى على الحقيقة، وأن هناك بعثاً وحشراً وإلى غير ذلك، وهذا كله عندهم من باب الوهم والخيال.

تحت هذا الزعم يقولون: إن هذه الأمور لا حقيقة لها، وأن هذا الرجل إنما هو مجرد مصلحٍ زعم بأنه بهذه الطريقة استطاع أن يصلح الناس، وعند بعضهم لا بأس بالإبقاء على ذلك لأن في ذلك مصلحة، فعقول عامة الناس لا تتسع لغير ذلك، وليس بمقدور كل أحدٍ أن يدرس الفلسفة التي هم عليها حتى يعرفوا الأمر على حقيقته.

وهذا مسلك الفلاسفة، ولذلك هم ينكرون كل غيب، فعندهم أن وجود الله ﷿ لا حقيقة له وإنما هو أمر مقدر في الخيال والذهن لا في الخارج، وأن الملائكة هي قوى الخير في النفس، والشياطين هي قوى الشر في النفس، وأن الجنة هي السعادة النفسية، وأن النار هي الشقاء النفسي، إلى غير ذلك من التأويلات التي قالوها تحت هذا الزعم، فهم ليسوا مع ذلك بحاجة إلى أن يؤوِّلوا على وجه التفصيل.

فهم يقولون: إن ما ذكره الرسول من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر ليس لينتفع به خواص الناس وإنما هو فقط خطابٌ للعوام والجمهور من الناس، لا أنه بين به الحق، ولا هدى به الخلق، ولا أوضح به الحقائق، فإذاً طعنوا في علمه، وطعنوا في بيانه، وطعنوا حتى في قدرته على الحق عند بعضهم.

وأما قول المصنف: "ثم هم على قسمين:

منهم من يقول: إن الرسول لم يعلم الحقائق على ما هي عليه.

ويقولون: إن من الفلاسفة الإلهية من علمها، وكذلك من الأشخاص الذين يسمونهم أولياء من علمها، ويزعمون أن من الفلاسفة أو الأولياء من هو أعلم بالله واليوم الآخر من المرسلين، وهذه مقالة غلاة الملحدين من الفلاسفة والباطنية: باطنية الشيعة، وباطنية الصوفية.

ومنهم من يقول: بل الرسول عَلِمَها لكن لم يُبيِّنها، وإنما تكلم بما يناقضها، وأراد من الخلق فَهْمَ ما يناقضها، لأن مصلحة الخلق في هذه الاعتقادات التي لا تطابق الحق.

ويقول هؤلاء: يجب على الرسول أن يدعو الناس إلى اعتقاد التجسيم مع أنه باطل، وإلى اعتقاد معاد الأبدان مع أنه باطل، ويخبرهم بأن أهل الجنة يأكلون ويشربون، مع أن ذلك باطل؛ لأنه لا يمكن دعوة الخلق إلا بهذه الطريق التي تتضمن الكذب لمصلحة العباد. فهذا قول هؤلاء في نصوص الإيمان بالله واليوم الآخر".

أما في القدرة على بيان الحق فهم على قسمين:

القسم الأول: يقول: إن الرسول لم يعلم الحقائق على ما هي عليه، هذا أيضاً

<<  <  ج: ص:  >  >>