وقوله: «وما ذُكر عن رسول الله ﷺ أنَّه سَمَّاه من صفة ربه، فهو بمنزلة ما سَمَّى وما وصف الربُّ تعالى من نفسه»، أي: ما جاء في السُنَّةِ الصَّحيحةِ مِثْلُ ما جاء في القرآن؛ لا نُفَرِّق بين القرآن والسنة في الإيمان والاستدلال؛ فالقرآن وحيٌ مَتْلُوٌّ، والسُّنَّة وحيٌ غيرُ مَتْلُوٍّ، ونحن متعبدون بالقرآن والسُّنَّة، مُؤمنون بهما ومصدقون بما جاء فيهما؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧].
فهذه نصوصٌ واضحة لو أنَّ الإنسان نظر لها نظرة سليمة لاهتدى إلى الاعتقاد الصحيح بيقين وطمأنينة، ولكن كما قال الشاعر:
وكمْ من عَائِبٍ قوْلًا صَحيحًا … وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السَّقيمِ
فالسبب في هذا: الأفهام السقيمة؛ لأن النصوص واضحة وثابتة.
فالخلل هنا إمَّا أن يكون في النصوص، وإمَّا أن يكون في عقول هؤلاء!
وحاشا أن يكون في النصوص خللٌ؛ إذ النصوص ثابتة؛ ففي القرآن-مثلًا-أخبر الله عن استوائه على عرشه، وفي السُّنَّة مثلًا: أخبر النبي ﷺ عن نزول الله تعالى إلى السماء الدُّنيا في الثلث الأخير من الليل كلَّ ليلة (١). وهكذا في سائر صفاته-جل وعلا-نجدها نصوصًا ثابتة صريحة صحيحة في الكتاب والسُنَّة، وقد امتلأت بها كتب الاعتقاد.
لكن الخلل في أفهامٍ تنظر إلى هذه النصوص بنظرةٍ غير صحيحة وغير سليمة؛ إذ يَرُومون-تنزيه الله-بزعمهم-عن مُشابهة خلقه؛ فيقعون في تعطيلها.
ثم قال ابن الماجشون ﵀: «والرَّاسخون في العلم-الواقفون حيث انتهى علمُهم، الواصفون لربِّهم بما وصف من نفسه، التاركون لما ترك من ذكرها-لا يُنكرون صفة ما سَمَّى منها جحدًا، ولا يتكلَّفون وصفه بما لم يُسَمِّ تعمُّقًا».
فأهل السُّنَّة والجماعة أصحاب المنهج الصحيح: يُثبتون ما أثبته الله لنفسه ولا يَجحدونه، وكذلك ما أَثبتوه لا يَخوضون في كيفيَّتِه؛ «لأنَّ الحقَّ تَرْكُ ما تَرَكَ، وتَسمية ما سَمَّى».
فإذًا نسألُ اللهَ بما سأل به الإمام ابن الماجشون أن يَهب لنا-﷾-حُكْمًا، وأن يُلحقنا بالصَّالحين.
فهذا كلام أحد أئمة أهل السُّنَّة مِنْ قبل ابنِ تيمية بِقُرُونٍ، حتى لا يَقول قائل: هذا
(١) كما في الحديث الذي رواه البخاري (١١٤٥) ومسلم (٧٥٨) من حديث أبي هريرة ﵁: أن رسول الله ﷺ قال: «يَنزل ربُّنا-﵎-كُلَّ ليلة إلى السَّماء الدنيا حين يَبقى ثُلُث الليل الآخر يقول: مَنْ يَدعوني فأستجيبَ له؟ مَنْ يَسألني فأُعطيَه؟ مَنْ يَستغفرني فأغفرَ له؟».