وهذه قضية خطيرة ينبغي للإنسان أن يتنبه لها؛ لأن الصوفية إنما تُروج أفكارها من طريق واحد إذا أُغلق سُدَّ عليهم الباب، وهو تقديس الأشخاص، فيجعلون لأنفسهم هالة ومهابة بدعاوى يزعمونها حتى يَعظم في نفوس الناس قَدْرُهم، فإذا عَظَّمُوهم وقَدَّسوهم عند ذلك يَقبلون منهم ما يقولون.
فإذا قُطِع هذا الطريق على الصوفي، وعرف الناسُ قَدْرَه، استطاعوا أن يتبينوا حقيقة باطله.
وكذلك المعطِّلة وأهل الفلسفة إنما تَروج أفكارهم بسبب غرسهم فكرة تقديس العقل وتقديمه.
فعلى طالب العلم أن يهدم صنم تقديس الأشخاص عند الصوفية، حتى تزول هذه المنزلة لهم، وبعدها سيُمَيِّز الناس أقوالهم ويتبيونها ولن يقبلوها مُسَلَّمَةً.
وهؤلاء الصوفية قد استعبدوا الناس، وسلبوا أموالهم وعقولهم، ومن قبل ذلك سلبوا دينهم، ومَن يَعِش قريبًا منهم-أو يقرأ عنهم-يرى مثل هذه الأوضاع، ويُوقن بخطرهم، ويتبين له ما هم عليه من دَجَل وباطل، ونشر للشرك والخرافة والبدعة، وتبديل لدين الله ﷿ وإحداث فيه؛ فنسأل الله ﷿ أن يُقَيِّض من طلبة العلم مَنْ يَكسر شوكة هؤلاء، وكذلك يُزيل ما عندهم من باطل قد رَوَّجوه على ضعفاء البَصيرة والعِلم.
ثم نعى ابن الماجشون ﵀ حال الأمة في زمانه فقال:«فقد-والله-عَزَّ المسلمون» يعني: قَلَّ الَّذين هم على المُعتقد الصحيح؛ «الَّذين يَعرفون المعروف وبمعرفتهم يُعْرف، ويُنكرون المنكر وبإنكارهم يُنكر؛ يَسمعون ما وصف الله به نفسه من هذا في كتابه، وما بَلغهم مثله عن نَبِيِّه».
وإذا كان يقول هذا عن زمانه؛ فماذا نقول عن زماننا؛ فإلى الله المشتكى!
ثم قال:«فما مَرِضَ مِنْ ذكر هذا وتَسميته قلبُ مُسلم، ولا تَكَلَّفَ صِفة قدره ولا تَسمية غيره من الربِّ مُؤمنٌ، وما ذكر عن الرسول ﷺ أنه سَمَّاه من صفة ربه، فهو بمنزلة ما سمى وما وصف الرب من نفسه». فلا شَكَّ أن قلب المؤمن الحيِّ المُستسلم لله ﷿؛ لا يَستشكل ما أثبته الله لنفسه ولا ما أثبته له رسوله ﷺ، ولا يَستريب فيه، ولا يستثقل وصف الله به، بخلاف هؤلاء الذين مَرضت قلوبهم من ذلك؛ فحملهم على تعطيل صفات الله ﷿.
وكذلك لا يتكلف المؤمن أن يصف الله ﷿ بصفة لم يَصف بها- ﷾ نفسَه، ولم يصفه بها رسولُه ﷺ.