للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حنفاء﴾ [البينة: ٥].

فمن لم يُخلص لله في عبادته لم يفعل ما أمر به، بل الذي أتى به شيء غير المأمور به، فلا يصح ولا يُقبل منه، ويقول الله: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك؛ فمَن عمل عملًا أشرك معي فيه غيري فهو للذي أشرك به، وأنا منه بريءٌ» (١).

وهذا الشركُ ينقسم إلى مغفور وغير مغفور، وأكبر وأصغر، والنوع الأول ينقسم إلى كبير وأكبر، وليس شيء منه مغفور؛ فمنه الشرك بالله في المحبة والتعظيم: أن يحب مخلوقًا كما يحب الله، فهذا من الشرك الذي لا يَغفره الله، وهو الشرك الذي قال سبحانه فيه: ﴿ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادًا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبًّا لله﴾ [البقرة: ١٦٥]، وقال أصحاب هذا الشرك لآلهتهم وقد جمعهم الجحيم: ﴿تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين﴾ [الشعراء: ٩٧، ٩٨].

ومعلوم أنهم ما سَوُّوهم به-سبحانه-في الخلق والرِّزق والإماتة والإحياء والمُلك والقدرة، وإنما سوُّوهم به في الحبِّ والتأله والخضوع لهم والتذلل، وهذا غاية الجهل والظلم؛ فكيف يُسَوَّى الترابُ بربِّ الأرباب، وكيف يُسَوَّى العبيد بمالك الرِّقاب، وكيف يسوى الفقير بالذات الضعيف بالذات العاجز بالذات المحتاج بالذات، الذي ليس له مِنْ ذاته إلا العدم؛ بالغني بالذات، القادر بالذات، الذي غِناه وقدرته وملكه وجُوده وإحسانه وعِلمه ورحمته وكماله المطلق التام مِنْ لوازم ذاته؟!

فأيُّ ظلم أقبح مِنْ هذا؟ وأيُّ حكم أشد جَوْرًا منه؟ حيث عَدَل مَنْ لا عِدْلَ له بخلقه، كما قال تعالى: ﴿الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور * ثم الذين كفروا بربهم يعدلون﴾ [الأنعام: ١].

فعدل المشركُ مَنْ خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، بِمَنْ لا يَملك لنفسه ولا لغيره مِثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض؛ فيَا لَكَ مِنْ عَدْل تَضَمَّن أكبرَ الظُّلْم وأقبحَه» (٢).

وخلاصة القول: فالشرك في أصل تقسيمه ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: شرك يتعلق بذات المعبود، أي: ما يتعلق بأفعاله وأسمائه وصفاته.


(١) رواه بهذا اللفظ ابنُ ماجه (٤٢٠٢) ومسلم (٢٩٨٥) من حديث أبي هريرة ، ولفظ مسلم: «قال الله : أنا أغنى الشركاء عن الشرك؛ مَنْ عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركتُه وشِرْكَه».
(٢) «الجواب الكافي» (ص ١٢٩ - ١٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>