ومِن هؤلاء مَنْ يزعم أنَّ معبوده هو الإله على الحقيقة، ومنهم من يزعم أنه أكبر الآلهة، ومنهم مَنْ يزعم أنه إله من جملة الآلهة، وأنه إذا خَصَّه بعبادته والتبتل إليه والانقطاع إليه أقبل عليه واعتنى به، ومنهم من يزعم أن معبوده الأدنى يُقربه إلى المعبود الذي هو فوقه، والفوقاني يقربه إلى مَنْ هو فوقه، حتى تُقربه تلك الآلهة إلى الله ﷾، فتارة تكثر الوسائط وتارة تقل.
وأمَّا الشرك في العبادة فهو أسهل من هذا الشرك، وأخف أمرًا، فإنه يُصدر ممن يعتقد أنه لا إله إلا الله، وأنه لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع إلا الله، وأنه لا إله غيره، ولا ربَّ سواه، ولكن لا يخص الله في معاملته وعبوديته، بل يعمل لحظِّ نفسه تارة، ولطلب الدنيا تارة، ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة، فلله مِنْ عمله وسعيه نصيب، ولنفسه وحَظِّه وهواه نصيب، وللشيطان نصيب، وللخلق نصيب، وهذا حال أكثر الناس، وهو الشرك الذي قال فيه النبي ﷺ فيما رواه ابن حبان في «صحيحه»: «الشِّركُ في هذه الأمة أَخفى مِنْ دَبِيب النمل». قالوا: كيف ننجو منه يا رسول الله؟ قال: قل: «اللهم إني أعوذ بك أن أشركُ بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم»(١).
فالرياء كله شرك؛ قال تعالى: ﴿قل إنَّما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملًا صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا﴾ [الكهف: ١١٠].
أي: كما أنَّه إله واحد، ولا إله سواه، فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده، فكما تفَرَّد بالإلهية يجب أن يُفرد بالعبودية؛ فالعمل الصالح هو الخالي من الرِّياء المقيد بالسُّنَّة.
وكان من دعاء عمر بن الخطاب ﵁:«اللهم اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا».
وهذا الشرك في العبادة يُبطل ثواب العمل، وقد يُعاقب عليه إذا كان العمل واجبًا، فإنه يُنَزِّله منزلة مَنْ لم يعمله، فيُعاقب على ترك الأمر، فإن الله-سبحانه-إنما أمر بعبادته عبادة خالصة؛ قال تعالى: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين
(١) رواه البخاري في «الأدب المفرد» (٧١٦)، وأبو يعلى في «مسنده» (١/ ٦٠)، وصححه الألباني في «صحيح الأدب المفرد» (٢٦٦).