للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فالشرك والتعطيل متلازمان: فكل مُشرك مُعَطِّل، وكل معطل مشرك، لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل، بل يكون المشركُ مقرًّا بالخالق-سبحانه-وصفاته، ولكنه مُعطل حق التوحيد.

وأصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها: هو التعطيل، وهو ثلاثة أقسام:

القسم الأول: تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه.

القسم الثاني: تعطيل الصانع-سبحانه-عن كماله المقدس؛ بتعطيل أسمائه وصفاته وأفعاله.

القسم الثالث: تعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد.

ومِن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود الذين يقولون: ما ثَمَّ خالق ومخلوق ولا هاهنا شيئان، بل الحق المُنَزَّه هو عين الخلق المشبه. ومنه شرك الملاحدة القائلين بقِدم العالم وأبديته، وأنه لم يكن معدومًا أصلًا، بل لم يَزل ولا يزال، والحوادث بأسرها مُستندة عندهم إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها، ويسمونها بالعقول والنفوس. ومن هذا شرك مَنْ عَطَّل أسماء الرب-تعالى-وأوصافه وأفعاله من غلاة الجهمية والقرامطة، فلم يُثبتوا له اسمًا ولا صفة، بل جعلوا المخلوق أكمل منه؛ إذ كمال الذات بأسمائها وصفاتها.

النوع الثاني: شِرك مَنْ جعل معه إلهًا آخر، ولم يُعَطِّل أسماءه وصفاته وربوبيته؛ كشرك النَّصارى الذين جعلوه ثلاثة، فجعلوا المسيح إلهًا، وأمه إلهًا.

ومِن هذا شرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور، وحوادث الشَّرِّ إلى الظلمة.

ومِن هذا شرك القدرية القائلين بأنَّ الحيوان هو الذي يَخلق أفعال نفسه، وأنها تحدث بدون مشيئة الله وقدرته وإرادته، ولهذا كانوا من أشباه المجوس.

ومِن هذا شرك الذي حاجَّ إبراهيم في ربِّه؛ ﴿إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت﴾ [البقرة: ٢٥٨].

فهذا جعل نفسه ندًّا لله؛ يُحيي ويميت بزعمه، كما يُحيي الله ويميت، فألزمه إبراهيم أن طَرْدَ قولِك: أن تقدر على الإتيان بالشمس من غير الجهة التي يأتي بها الله منها، وليس هذا انتقالًا، كما زعم بعض أهل الجدل، بل إلزامًا على طرد الدليل إن كان حقًّا.

ومِن هذا شرك كثير ممن يُشرك بالكواكب العُلويات، ويجعلها أربابًا مُدبرة لأمر

<<  <  ج: ص:  >  >>