فمثلًا: لو أن إنسانًا أعطى موعدًا لآخر وهو ينوي في قرارة نفسه أنه لن يحضر في ذلك الموعد. فهذا نسميه نفاقًا أصغر؛ لأن السرَّ خالف العلانية في الواجبات، وليس في أصل الاعتقاد.
أما إذا اختلف السرُّ والعلانية في أصل الاعتقاد فهذا نسميه: كفرًا أكبر، ومعناه: أن الإنسان يُظهر الإسلام ويُبطن الكفر.
وهكذا؛ فالشرك شركان: شركٌ أكبر، وشركٌ أصغر.
والشرك الأصغر لا يكون إلا في نوعٍ واحد من أنواع التوحيد، وهو توحيد العبادة؛ فتوحيد العبادة فقط هو الذي فيه أكبر وأصغر.
أمَّا الشرك في توحيد الربوبية وفي توحيد الأسماء والصفات. هذان ما فيهما أكبر وأصغر، فينبغي كذلك أن يتصور ما هو الشرك الأكبر؟ وما هو الشرك الأصغر؟
فعلى طالب العلم أن يعلم أن كلام أهل العلم في الشرك الأصغر إنما يقصدون به: الشرك في العبادات وتوحيد الألوهية، ويقولون في تعريفه: كل وسيلةٍ تؤدي إلى الشرك الأكبر ولم تبلغ رُتبة العبادة؛ لأنها متى ما بلغت رتبة العبادة فإن ذلك يَنقلها إلى الشرك الأكبر في توحيد العبادة.
أمَّا الشرك في توحيد الربوبية وفي توحيد الأسماء والصفات، فليس فيهما أكبر وأصغر، إذ كله أكبر.
لذلك يقول الإمامُ ابنُ القَيِّم ﵀: «الشِّرك شِركان: شرك يتعلق بذات المَعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله.
وشِرك في عبادته ومعاملته، وإن كان صاحبه يعتقد أنه-سبحانه-لا شريكَ له في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله.
والشِّرك الأول نوعان:
أحدهما: شرك التَّعطيل: وهو أقبحُ أنواع الشرك؛ كشرك فرعون إذ قال: ﴿وما رب العالمين﴾ [الشعراء: ٢٣].
وقال-تعالى-مُخبرًا عنه أنه قال لهامان: ﴿وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحًا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبًا﴾ [غافر: ٣٦، ٣٧]،