للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولذلك ينبغي على طالب العلم أن يتصوَّر هذه المسألة، وأن يعرفها ويفهمها فهمًا صحيحًا سليمًا حتى لا يُخطئ فيها؛ فيقع فيما وقع فيه أولئك من خطأٍ وزَلَل.

فلا بُدَّ أن نعلم أولًا: أنه لا يلزم من كون الفعل كفرًا أكبر-مثلًا-أن يكون فاعله كافرًا إلا باجتماع الشروط وانتفاء الموانع عند أهل السُّنَّة، والشروط أربعة والموانع-كذلك-أربعة.

فلا بُدَّ للحكم بكفر معين أن نعلم أنه لا بُدَّ من اجتماع هذه الشروط الأربعة، وانتفاء ما يُقابلها، وهي:

الشرط الأول: العقل.

الشرط الثاني: البلوغ.

فلا بُدَّ أن يكون هذا القائل-أو هذا الفاعل، أو هذا المعتقد-عاقلًا بالغًا، بمعنى: أن الإنسان لو كان دون سِنِّ البلوغ أو كان مَجنونًا، فإنه بَذلك يَسقط عنه التكليف، ويكون هذا مانعًا من تكفيره ولو أَتَى بِمُكَفِّر؛ فالشرط: العقل والبلوغ، ويقابله الجنون والصِّغر.

فعن عليِّ بن أبي طالبٍ : أنَّ النبيَّ قال: «رُفِع القَلمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعن الصَّبي حتَّى يحتلِمَ، وعن المجنونِ حتَّى يَعقِلَ» (١).

فمثلًا لو أن صبيًّا دون سِنِّ البلوغ عبث بأوراق المصحف وأهانه، فإنه لا يَكفر بذلك، وكذلك المجنون؛ لأنهما غير مُكَلَّفَيْن.

الشرط الثالث: العِلم، ومقابله: الجهل؛ ومن الدليل عليه: قصة الرجل الذي أوصى بَنِيه بإحراقه، فعن أبي هريرة ، عن النبي ، قال: «كان رجلٌ يُسرف على نفسه، فلما حَضَرَه الموتُ قال لِبَنيه: إذا أنا مُتُّ فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذَرُّوني في الريح، فوالله لَإِن قَدر عليَّ ربي ليُعَذِّبَنِّي عذابًا ما عَذَّبه أحدًا، فلما مات فُعِل به ذلك، فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيكِ منه، ففعلت، فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب خشيتُك، فَغَفَرَ له» (٢).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «فهذا الرجلُ ظَنَّ أن الله لا يَقدر عليه إذا تفرَّق


(١) رواه الترمذي (١٤٢٣)، والنسائي في «الكبرى» (٧٣٤٦)، وأحمد (٩٥٦)، وصحح إسناده أحمد شاكر في «تحقيق المسند» (٢/ ١٩٧)، وصححه الألباني في «صحيح سنن الترمذي» (١٤٢٣).
(٢) رواه البخاري (٣٤٨١) ومسلم (٢٧٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>