من المعلوم أن أهل الباطل حاولوا بشتى الطرق والأساليب نصر باطلهم، وبما أن قولهم يقوم في أساسه على محاربة النصوص الشرعية وفهم السلف الصالح لها باعتبارها المنطلق الأساس لدى أهل السنة والجماعة تأصيلاً وتقريراً، فإن من جملة ما زعموه مقولتهم المشهورة «طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم».
وقد شرع المصنف في الرد على هذه المقولة من عدة أوجه منها:
أولاً: أن هذا القول لا يصدر إلا "ممن لم يقدر قدر السلف، بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين به حقيقة المعرفة المأمور بها"
ثانياً: أن هؤلاء المعطلة إنما قالوا ما قالوا إلا لزعمهم الفاسد أن السلف لا يعرفون معاني القرآن والسنة، وأنهم مجرد أناس يؤمنون بألفاظ لا يعرفون معانيها، فقال المصنف:"إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك".
ثالثاً: أن هذه المقولة تجمع بين الجهل بطريقة السلف بالكذب على السلف، والجهل والضلال في تصويب طريقة الخلف "فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم، وبين الجهل والضلال في تصويب طريقة الخلف. "
رابعاً: أن هذه المقولة مبنية على فساد في العقل وكفر بالسمع أما فساد العقل فهو جعلهم العقل أساساً في هذا الباب، وجعلوا ما ركبوه من شبه عقلية هي الأساس الذي يعتمد عليه في تأصيل وتقرير مسائل هذا الباب العظيم الذي هو باب الإلهيات، وبما أن النصوص الشرعية تخالف ما جاؤا به فقد عمدوا لتحريفها، وهذا ما عناه المصنف بقوله:"فصار هذا الباطل مركبًا من فساد العقل والكفر بالسمع، فإن النفي إنما اعتمدوا فيه على أمور عقلية ظنوها بينات وهي شبهات، والسمع حرفوا فيه الكلام عن مواضعه. "
خامساً: أن سبب هذه المقولة الباطلة هو معتقد هؤلاء في باب الأسماء والصفات، حيث نفوا قيام الصفات بالله تعالى بناء على مشاركتهم لأهل الباطل من الفلاسفة على اختلاف مشاربهم، الذين أنكروا أن يوصف الله بصفات قائمة به حقيقة وغاية أمرهم أنهم جعلوا وجود الله وجوداً ذهنياً لا حقيقة له في الخارج، فربط المصنف بين معتقد هؤلاء ومن سبقهم فقال:"وسبب ذلك اعتقادهم أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص للشبهات الفاسدة التي شاركوا فيها إخوانهم من الكافرين، "