للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سادساً: أن مقولة هؤلاء إنما هي نتيجة لما ركبوه من باطل بنوا عليه معتقدهم في هذا الباب، وكما هو الحال في ترتيب الأمور المنطقية أن الكلام يتركب من مقدمات ونتائج فإن هذه المقولة ركبت من مقدمتين ونتيجة وهذه النتيجة مؤداها كما ذكر المصنف: "فلما انبنى أمرهم على هاتين المقدمتين الكفريتين كانت النتيجة: استجهال السابقين الأولين، واستبلاههم، واعتقاد أنهم كانوا قومًا أميين، بمنزلة الصالحين من العامة، لم يتبحروا في حقائق العلم بالله، ولم يتفطنوا لدقائق العلم الإلهي، وأن الخلف الفضلاء حازوا قصب السبق في هذا كله. "

وهذه المقولة ردها غير واحد من العلماء:

فهذا الحافظ ابن حجر يقول: عن بعض أهل العلم: (قول من قال: "طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أحكم" ليس بمستقيم، لأنه ظن أن طريقة السلف مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه في ذلك، وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات.

فجمع هذا القائل بين الجهل بطريقة السلف، والدعوى في طريقة الخلف، وليس الأمر كما ظن، بل السلف في غاية المعرفة بما يليق بالله تعالى، وفي غاية التعظيم له، والخضوع لأمره، والتسليم لمراده، وليس من سلك طريق الخلف واثقاً بأن الذي يتأوله هو المراد، ولا يمنعه القطع بصحة تأويله) (١)

وقال الإمام ابن أبي العز الحنفي: "فإن لازم هذا أن يكون الله أنزل على رسوله كلاماً لا يعلم معناه جميع الأمة، ولا الرسول، ويكون الراسخون في العلم لا حظ لهم في معرفة معناه سوى قولهم]: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران: ٧ وهذا القدر يقوله غير الراسخ في العلم من المؤمنين والراسخون في العلم يجب امتيازهم عن عوام المؤمنين في ذلك" (٢)

قال الإمام الشوكاني : "فهم - أي أهل الكلام - متفقون فيما بينهم على أن طريق السلف أسلم، ولكن زعموا أن طريق الخلف أعلم، فكان غاية ما ظفروا به من هذه الأعلمية لطريق الخلف أن تمنى محققوهم وأذكياؤهم في آخر أمرهم دين العجائز، وقالوا: هنيئا للعامة، فتدبر هذه الأعلمية التي حاصلها أن يهنئ من ظفر بها للجاهل الجهل البسيط، ويتمنى أنه في عدادهم، وممن يدين بدينهم، ويمشي على طريقهم، فإن هذا ينادي بأعلى صوت، ويدل بأوضح دلالة على أن هذه


(١) فتح الباري ١٣/ ٣٥٢
(٢) شرح العقيدة الطحاوية ص ٢٣٤

<<  <  ج: ص:  >  >>