للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما استدلال هؤلاء بنصوص المعية والقرب، فقد بينا خطأ هذا الاستدلال وبطلانه عند الرد على الأدلة السمعية لمذهب الجهمية، وقد بينا أنه ليس للمخالفين أي متمسك في جعلها لمعية الذات أو قرب الذات.

أما بيان تناقض هذا القول: فهو واضح من أقوالهم، فهم يجمعون بين أقوال متناقضة، فهم تارة يقولون إنه بذاته فوق العرش، وتارة يقولون إنه فوق العرش ونصيب العرش فيه كنصيب قلب العارف -كما يذكر ذلك أبو طالب المكي وغيره-، ومعلوم أن قلب العارف نصيبه منه المعرفة والإيمان وما يتبع ذلك.

فإن قالوا: إن العرش كذلك، فقد نقضوا قولهم بأنه بنفسه فوق العرش.

وإن قالوا بحلول ذاته في قلوب العارفين، كان ذلك قولا بالحلول الخاص، وهذا ما وقع فيه طائفة من الصوفية ومنهم صاحب منازل السائرين (١).

وقد عرف عن الإمام أبو حنيفة تصديه لمقالات الجهمية ومن ذلك ما رواه البيهقي أنا أبو بكر بن الحارث، أخبرنا ابن حيان، أنا أحمد بن جعفر بن نصر، ثنا يحيى بن يعلى، سمعت نعيم ابن حماد ٤ يقول: سمعت نوح بن أبي مريم يقول: "كنا عند أبي حنيفة أول ما ظهر، إذ جاءته امرأة من ترمذ كانت تجالس جهماً، فدخلت الكوفة، فأظنني أقل ما رأيت عليها عشرة آلاف من الناس، تدعو إلى رأيها، فقيل لها: إن ههنا رجلاً قد نظر في المعقول يقال له أبو حنيفة، فأتته وقالت: أنت الذي تعلم الناس المسائل وقد تركت دينك، أين إلهك الذي تعبده؟ فسكت عنها، ثم مكث سبعة أيام لا يجيبها، ثم خرج إلينا وقد وضع كتابا أن الله في السماء دون الأرض، فقال له رجل: أرأيت قول الله تعالى ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾ ١ قال: هو كما تكتب إلى الرجل إني معك وأنت غائب عنه" (٢)

قال البيهقي: لقد أصاب أبو حنيفة فيما نفى عن الرب من الكون في الأرض، وأصاب فيما ذكر من تأويل الآية، وتبع مطلق السمع بأن الله تعالى في السماء (٣). "


(١) مجموع الفتاوى (٥/ ١٢٢ - ١٣١).
(٢) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (٢/ ٣٨٣). وأورده الذهبي في العلو (ص ١٠١). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص ١٣٧ - ١٣٨)، وإسناده ضعيف جدا لأن نوح بن أبي مريم كذاب وضاع.
(٣) الأسماء والصفات للبيهقي (ص ٥٣٩ - ٥٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>