للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا هو قول بعض الجهمية (١)، وإليه ذهب الفراء، والأشعري، وابن الضرير، واختاره الثعلبي (٢).

الرد عليهم:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا الوجه من أضعف الوجوه، فإنه قد أخبر أن العرش على الماء قبل خلق السموات والأرض.

وكذلك ثبت في صحيح البخاري عن عمران عن النبي أنه قال: "كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء … " فإذا كان العرش مخلوقاً قبل خلق السموات والأرض، فكيف يكون استواؤه عمده إلى خلقه له؟!

هذا لو كان يعرف في اللغة أن استوى على كذا، بمعنى أنه عمد إلى فعله، فكيف إذا كان لا يعرف قط في اللغة لا حقيقة ولا مجازاً ولا في نظم ولا في نثر.

ومن قال استوى بمعنى عمد ذكره في قوله ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان﴾ لأنه عدى بحرف الغاية، كما يقال: عمدت إلى كذا وقصدت إلى كذا، ولا يقال عمدت على كذا ولا قصدت عليه، مع أن ما ذكر في تلك الآية لا يعرف في اللغة أيضاً ولا هو قول أحد من مفسري السلف بل المفسرون من السلف بخلاف ذلك" (٣).

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: "إن قولهم هذا يتضمن أن يكون خلقه بعد خلق السموات والأرض، وهذا بخلاف إجماع الأمة، وخلاف ما دل عليه القرآن والسنة، وإن ادعى بعض الجهمية المتأخرين أنه خلق بعد خلق السموات والأرض وادعى الإجماع على ذلك، وليس العجيب من جهله، بل من إقدامه على حكاية الإجماع على ما لم يقله مسلم" (٤).

القول الثالث:

أن استوى بمعنى علا في هذه الآية، ولكن ليس المراد علو المسافة والمكان، وإنما المراد علو المكانة والقهر، وقد ذهب إلى هذا القول جماعة من الأشاعرة منهم أبو بكر بن فورك (٥)، وهم بهذا القول جعلوا الاستواء صفة ذات وليست صفة فعل.


(١) مختصر الصواعق (٢/ ١٢٦).
(٢) انظر الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (٢/ ٨ - ٩).
(٣) مجموع الفتاوى (٥/ ٥٢٠ - ٥٢١).
(٤) مختصر الصواعق المرسلة (٢/ ١٤٣).
(٥) كتاب مشكل الحديث لابن فورك (ص ١٩٣)، والأسماء والصفات للبيهقي (ص ٥١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>