للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقد استعمل في مسألة إثبات علو الله على خلقه وتميزه وانفصاله عنهم وعدم اختلاطه بهم أو حلوله فيهم؛ فلما زعم الجهمية أن الخالق في كل مكان، وأنه غير مباين لخلقه ولا متميز عنهم، قال بعض أئمة السلف: إن الله سبحانه عالٍ على خلقه، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، وذكروا الحَدَّ؛ لأن الجهمية زعموا أنه ليس له حد. وما لا حَدَّ له لا يُباين المخلوقات ولا يكون فوق العالم.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولما كان الجهمية يقولون ما مضمونه: إن الخالق لا يتميز عن الخلق؛ فيجحدون صفاته التي تَمَيَّز بها، ويجحدون قَدْرَهُ؛ حتى يقول المعتزلة إذا عرفوا أنه حي، عالم، قدير: قد عرفنا حقيقته وماهيته، ويقولون: إنه لا يُباين غيره. بل إما أن يصفوه بصفة المعدوم؛ فيقولوا: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا كذا ولا كذا. أو يجعلوه حالاًّ في المخلوقات أو وجوده وجود المخلوقات.

فبين ابن المبارك أن الرب على عرشه مباين لخلقه منفصل عنه، وذكر الحد؛ لأن الجهمية كانوا يقولون: ليس له حد، وما لا حد له لا يباين المخلوقات، ولا يكون فوق العالم؛ لأن ذلك مستلزم للحد» (١).

وبناءً على ما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية فقد أثبت السلف الحد؛ لِما في إثبات هذا اللفظ من ردٍّ على الجهمية فيما زعموا، ولما في معنى (الحد) من إثبات مباينة الله لخلقه، وعلوه عليهم، واستوائه على عرشه.

وإن كان السلف يقولون: إنه حَدٌّ لا يعلمه إلا الله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن نقل الآثار الواردة عن السلف في إثبات الحد: «فهذا وأمثاله مما نقل عن الأئمة، كما قد بسط في غير هذا الموضع، وبينوا أن ما أثبتوه له من الحد لا يعلمه غيره، كما قال مالك وربيعة وغيرهما: الاستواء معلوم، والكيف مجهول؛ فبَيَّن أن كيفية استوائه مجهولة للعباد، فلم يَنفوا ثبوت ذلك في نفس الأمر، ولكن نفوا عِلْمَ الخلق به، وكذلك مثل هذا في كلام عبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون وغير واحد من السلف، والأئمة يَنفون علم الخلق بقدره وكيفيته» (٢).

الاستعمال الثاني: استعماله في حال النفي.

وذلك في مسألة نفي الإحاطة بالله علمًا وإدراكًا، فلا منازعة بين أهل السنة بأن الله


(١) «نقض تأسيس الجهمية» (١/ ٤٤٢، ٤٤٣).
(٢) «درء تعارض العقل والنقل» (٢/ ٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>