للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تعالى غير مدرك الإحاطة والخلق عاجزون عن الإحاطة به، فهم لا يستطيعون أن يحدوا الخالق جل وعلا، أو يُقَدِّرُوه، أو يبلغوا صفته؛ فمن نفى الحد على هذا المعنى فهو مُصيب.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «المحفوظ عن السلف والأئمة: إثبات حد لله في نفسه، وقد بينوا مع ذلك أن العباد لا يَحدونه ولا يدركونه، ولهذا لم يتناف كلامهم في ذلك كما يظنه بعض الناس، فإنهم نفوا أن يَحُد أحدٌ الله» (١).

وقال أيضًا: «وقوله: بلا حد ولا صفة» نَفَى به إحاطة علم الخلق به، وأن يحدوه أو يصفوه على ما هو عليه، إلا بما أخبر عن نفسه؛ ليبين أن عقول الخلق لا تُحيط بصفاته، كما قال الشافعي في خطبة «الرسالة»: «الحمد لله الذي هو كما وصف به نفسه، وفوق ما يَصفه به خلقه» (٢).

ولهذا قال أحمد: «لا تُدركه الأبصار بحد ولا غاية»؛ فنفى أن يُدرك له حد أو غاية» (٣).

وهذا المحفوظ عن السلف والأئمة من إثبات حد لله في نفسه قد بينوا مع ذلك أن العباد لا يَحدونه ولا يدركونه؛ ولهذا لم يتناف كلامهم في ذلك كما يظنه بعض الناس، فإنهم نفوا أن يحد أحد الله، كما ذكره حنبل عنه في كتاب «السنة والمحنة». وقد رواه الخلال في «كتاب السنة»: أخبرني عبد الله بن حنبل، حدثني حنبل بن إسحاق، قال: قال عمي: «نحن نؤمن بالله ﷿ على عرشه كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يَبلغها واصف أو يحده أحد؛ فصفات الله ﷿ منه وله، وهو كما وصف نفسه، لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية، وهو يدرك الأبصار، وهو عالم الغيب والشهادة، علام الغيوب، ولا يدركه وصف واصف، وهو كما وصف نفسه، وليس من الله شيء محدود، ولا يبلغ علمه وقدرته أحد، غلب الأشياء كلها بعلمه وقدرته وسلطانه، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وكان الله قبل أن يكون شيء، والله الأول، وهو الآخر، ولا يبلغ أحدٌ حَدَّ صفاته؛ فالتسليم لأمر الله والرضا بقضائه، نسأل الله التوفيق والسداد؛ إنه على كل شيء قدير.

وذلك أن لفظ (الحد) عند كل من تكلم به يراد به شيئان:

يُراد به: حقيقة الشيء في نفسه. ويراد به: الوجود العيني، أو الوجود الذهني؛


(١) «نقض تأسيس الجهمية» (٢/ ١٦٢).
(٢) «الرسالة» للشافعي (ص ٨).
(٣) «درء تعارض العقل والنقل» (٢/ ٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>