فأخبر أبو عبد الله أنه على العرش بلا حد يَحده أحد أو صفة يبلغها واصف، وأتبع ذلك بقوله: ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾ بحد ولا غاية، وهذا التفسير الصحيح للإدراك: أي: لا تحيط الأبصار بحده ولا غايته؛ ثم قال: ﴿وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ﴾؛ وهو عالم الغيب والشهادة، علام الغيوب؛ ليتبين أنه عالم بنفسه وبكل شيء.
وقال الخلال:«وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلًا حدثهم، قال: سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروى «أن الله ﵎ ينزل إلى السماء الدنيا»، و «أن الله يضع قدمه»، وما أشبه هذه الأحاديث! فقال أبو عبد الله: نؤمن بها، ونصدق بها ولا كيف، ولا معنى، ولا نَرُدُّ منها شيئًا، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق إذا كانت بأسانيد صِحاح، ولا نَرد على الله قوله، ولا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه ولا حد ولا غاية، ليس كمثله شيء.
قال: وقال حنبل في موضع آخر قال: ليس كمثله شيء في ذاته، كما وصف به نفسه، فقد أجمل-﵎-بالصفة لنفسه؛ فحد لنفسه صفة، ليس يشبهه شيء؛ فيعبد الله بصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف نفسه؛ قال تعالى ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير﴾.
قال: وقال حنبل في موضع آخر: قال: فهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير، ولا يبلغ الواصفون صفته، وصفاته منه وله، ولا يتعدى القرآن والحديث، فنقول كما قال، ونصفه كما وصف نفسه، ولا يتعدى ذلك، ولا تبلغه صفة الواصفين، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت، وما وصف به نفسه من كلام ونزول وخُلُوه بعبده يوم القيامة ووضعه كنفه عليه، هذا كله يدل على أن الله يُرى في الآخرة، والتحديد في هذا بدعة، والتسليم لله بأمره بغير صفة ولا حد إلا ما وصف به نفسه، سميع بصير، لم يزل متكلمًا، عالمًا غفورًا، عالم الغيب والشهادة، علام الغيوب، فهذه صفات وصف بها نفسه لا تُدفع ولا تُرد، وهو على العرش بلا حد، كما قال: ﴿ثُمَّ اسْتَوى عَلَى العَرْش﴾ كيف شاء، المشيئة إليه ﷿، والاستطاعة له ﴿لَيْسَ كَمِثلِهِ شَيء﴾، وهو خالق كل شيء، وهو كما وصف نفسه، سميع بصير بلا حد ولا تقدير، قول إبراهيم لأبيه: ﴿يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ﴾؛ فثبت أن الله سميع بصير صفاته منه، لا تعدى القرآن والحديث والخبر، يضحك الله ولا نعلم كيف ذلك إلا بتصديق الرسول ﷺ وتثبيت القرآن، ولا يصفه الواصفون، ولا يحده أحد؛ تعالى الله عما يقول الجهمية والمشبهة» (١).