للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال ابن القيم: «أراد أحمد بنفي الصفة نفي الكيفية والتشبيه، وبنفي الحد حدًّا يُدركه العباد ويَحُدُّونه» (١).

فتبين مِنْ هذا: أنَّ مَنْ أطلق الحدَّ على الله ﷿ وأراد بالحد: ما يَتميز به الشيء عن غيره. فهذا المعنى صحيح، والعلماء الذين أطلقوا على الله الحد أرادوا الرد على الجهمية الذين قالوا: إنَّ الله مُختلط ممتزج بعباده. فقالوا: لا، الله له حَدٌّ يَتميز به عن خلقه، مُنفصل مباين عن الخلق، غير مُختلط بهم، كما تزعم الجهمية.

أمَّا من أراد بالحدِّ: أن الله ﷿ يُحيط به شيء من مخلوقاته؛ فلا شك أن نفي الحد بهذا المعنى هو الصَّحيح؛ ولهذا الإمام أحمد نفى الحد بهذا المعنى، وأثبت الحد بالمعنى الآخر، وهو: أن الله متميز عن خلقه، مباين لخلقه، منفصل عن الخلق، عال عليهم .

ولهذا قال أبو سعيد الدارمي عن بشر المريسي: «وادعى المعارض-أيضًا-أنه ليس لله حد ولا غاية ولا نهاية. وهذا هو الأصل الذي بَنى عليه جهم جميع ضلالاته، واشتق منها أغلوطاته، وهي كلمة لم يَبلغنا أنه سبق جهمًا إليها أحدٌ من العالمين.

فقال له قائل ممن يحاوره: قد علمتُ مرادك بها-أيُّها الأعجمي-وتعني: أن الله لا شيء؛ لأن الخلق كلهم علموا أنه ليس شيء يقع عليه اسم الشيء إلا وله حَدٌّ وغاية وصفة، وأن لا شيء ليس له حد ولا غاية ولا صفة، فالشيء أبدًا موصوف لا محالة، ولا شيء يُوصف بلا حد ولا غاية. وقولك: لا حد له يعني: أنه لا شيء.

قال أبو سعيد: والله-تعالى-له حد لا يَعلمه أحد غيره، ولا يجوز لأحد أن يتوهم لِحَدِّه غاية في نفسه، ولكن يُؤمن بالحدِّ ويَكِل عِلم ذلك إلى الله، ولمكانه-أيضًا-حد، وهو على عرشه فوق سماواته، فهذان حَدَّان اثنان.

وسئل ابن المبارك: بِمَ نَعرف ربَّنا؟ قال: «بأنه على العرش، بائن من خلقه. قيل: بِحَدٍّ؟ قال: بِحَدٍّ» (٢).

فعلم الإمام الدارمي مراده أي: لمَّا نفى عن الله الحد، أراد أن الله ممتزج بالخلق؛ فأنكر عليه نفي الحد بهذا المعنى.

فالمعنى الباطل في الحد: هو أن هناك شيئًا من الخلق يُحيط بالله ﷿؛ وعلى هذا المعنى فلا شك أنه ليس لله حد، أي: ليس لله شيء يُحيط به من الخلق.


(١) انظر: «مختصر الصواعق» (٢/ ٢١٣).
(٢) انظر: «الرد على بشر المريسي» (ص ٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>