للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عمر بن عبد العزيز أو غيره -: من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل" (١)

أما أهل السنة والحديث فما يعلم أحد من علمائهم، ولا صالح عامتهم رجع قط عن قوله واعتقاده، بل هم أعظم الناس صبرا على ذلك، وإن امتحنوا بأنواع المحن، وفتنوا بأنواع الفتن، وهذه حال الأنبياء وأتباعهم من المتقدمين، كأهل الأخدود ونحوهم، وكسلف الأمة من الصحابة والتابعين وغيرهم من الأئمة.

ومن صبر من أهل الأهواء على قوله، فذاك لما فيه من الحق، إذ لابد في كل بدعة - عليها طائفة كبيرة - من الحق الذي جاء به الرسول ويوافق عليه أهل السنة والحديث، ما يوجب قبولها، إذ الباطل المحض لا يقبل بحال.

وبالجملة: فالثبات والاستقرار في أهل الحديث والسنة أضعاف أضعاف ما هو عند أهل الكلام والفلسفة. " (٢)

وقال ابن القيم يصف حالهم: "وأضعاف ذلك من المسائل التي عولوا فيها على مجرد عقل أفضلهم وأشدهم حيرة وتناقضا واضطرابا فيها لا يثبت له فيها قول، بل تارة يقول بالقول ويجزم به، وتارة يقول بضده ويجزم به، وتارة يحار ويقف وتتعارض عنده الأدلة العقلية، وأهل الكلام والفلسفة أشد اختلافا وتنازعا بينهم فيها من جميع أرباب العلوم على الإطلاق ولهذا كلما كان الرجل منهم أفضل كان إقراره بالجهل والحيرة على نفسه أعظم، كما قال بعض العارفين أكثر الناس شكا عند الموت أهل الكلام:

وقال أفضل المتأخرين من هؤلاء لتلاميذه عند الموت: "أشهدكم أني أموت وما عرفت مسألة واحدة إلا مسألة افتقار الممكن إلى واجب، ثم قال والافتقار أمر عدمي فها أنا ذا أموت وما عرفت شيئا".

وقال ابن الجويني عند موته: "لقد خضت البحر الخضم وخليت أهل الإسلام وعلومهم وما أدري على ماذا أموت أشهدكم أني أموت على عقيدة أمي". وقال آخر في خطبة كتابه في الكلام لعمري:

لقد طفت في تلك المعاهد كلها … وسيرت طرفي بين تلك المعالم

فلم أر إلا واضعا كف حائر … على ذقن أو قارعا سن نادم" (٣)


(١) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ٢/ ١١٦
(٢) مجموع الفتاوى ٤/ ٥٠
(٣) الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة ٢/ ٦٦٣

<<  <  ج: ص:  >  >>