للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا يزال المصنف-رحمه الله تعالى-يبين في هذه المقدمة أن حقيقة الكلام والصراع القائم في هذه المسألة، أي مسألة الأسماء والصفات، إنما هو صراعٌ بين فريقين، فريقٌ اعتمد العقل علماً وأصلاً، وبعد ذلك بعقله الفاسد أخذ يطعن في الشرع، ويترك نصوص الكتاب والسنة، ويترك ما كان عليه الصحابة والتابعون وتابعو التابعين ومن جاء بعدهم في هذا الباب، واعتمد على ظلمات مركبة من المنطق والفلسفة، وعقد عليها أموراً في هذا الباب أوجبت عند هؤلاء رد كثير من نصوص الصفات، وسبق وأن بينَّا أن هذا الفريق لم يعملوا بنصوص الكتاب والسنة، وأن من يقرأ في كتب القوم، يجد أن هذه الكتب اعتمدت على مقدمات منطقية فلسفية أخذوها من فلاسفة اليونان وفلاسفة الهند وغيرهم، وبنوا عليها معتقدهم في هذا الباب، وبالتالي فإن الصراع قائم بين نصوص الكتاب والسنة وبين فلسفة اليونان وفلسفة الهند وغيرها من الفلسفات التي تأثر بها هؤلاء وأدخلوها على المسلمين على صورة مضيئة توهم أن هذا هو الحق؟

قال ابن تيمية: "ومن علم أن المتكلمين من المتفلسفة وغيرهم في الغالب يعلم الذكي منهم والعاقل: أنه ليس هو فيما يقوله على بصيرة، وأن حجته ليست ببينة، وإنما هي كما -قيل فيها:] إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ [] الذاريات: ٨ [

حجج تهافت كالزجاج تخالها حقا وكل كاسر مكسور

ويعلم العليم البصير أنهم من وجه مستحقون ما قاله الشافعي حيث قال: "حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويقال: هذا جزاء من أعرض عن الكتاب والسنة وأقبل على الكلام " (١).

ومن وجه آخر إذا نظرت إليهم بعين القدر - والحيرة مستولية عليهم، والشيطان مستحوذ عليهم - رحمتهم وترفقت بهم؛ أوتوا ذكاء وما أوتوا زكاء، وأعطوا فهوما وما أعطوا علوما، وأعطوا سمعا وأبصارا وأفئدة] فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُم مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون [الأحقاف: ٢٦]. ومن كان عليما بهذه الأمور: تبين له بذلك حذق السلف وعلمهم وخبرتهم حيث حذروا عن الكلام ونهوا عنه، وذموا أهله وعابوهم، وعلم أن من


(١) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ٢/ ١٩٣

<<  <  ج: ص:  >  >>