للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ثانيًا: عدم الخوض في الكيفية، فدائمًا أهل السنة والجماعة في إثبات صفات الله تعالى يقولون: نؤمن بأن لله يدًا، ونؤمن بأن له سمعًا، وأن لله بصرًا، ولكن لا نعلم كيفية ذلك، فهذه عقيدة أهل السنة في جوهرها وُلُبِّها.

ثالثًا: أن ما أثبته الله لنفسه لا يُشبه فيه أحدًا من خلقه، وذلك أخذًا بقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١]، فلله سمع يليق بجلاله، واستواء يليق بجلاله، ويد تليق بجلاله، فإنه ليس كمثله شيء، ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٤]، وكما قال جل وعلا: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٦٥]، فينبغي التقيد بما ورد من غير تشبيه.

ولذلك قال الخطابي هنا: «ونفي الكيفية والتشبيه عنها»، أي: لا نَعلم كيفية اتصاف الله بهذه الصفات، ولا نُشبهه بأحد من خلقه.

فهذه الثوابت أقرها العلماء؛ لذا يجب أن تكون منطلقًا للاعتقاد في الأسماء والصفات.

ففي الإثبات والنفي يجب أن نقف على ما جاء به النص؛ لأن مسائل الصفات بين الإثبات والنفي، فما أثبته الله لنفسه يُثبَت، كما في قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥]، وما نفاه عن نفسه سبحانه يُنفى، كما في قوله جل وعلا: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ﴾ [الفرقان: ٥٨]، وقوله ﷿: ﴿لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ﴾ [البقرة: ٢٥٥]، وقوله : ﴿وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٤٩] وهكذا.

وينبغي أن نعتقد اعتقادًا جازمًا أن الله لا يُماثله في ذلك أحدٌ من خلقه أخذًا بما دلت عليه النصوص من عدم المماثلة، وقلنا: إن المقصود بعدم المماثلة: أن لله ﷿ في تلك الصفات خصائص انفرد بها؛ فلحياة الله خصائص، ولعلم الله خصائص، ولقدرة الله خصائص، ولقوة الله خصائص، وهذه الخصائص لا يماثله فيها أحد من الخلق، ونحن لا نعلم كيفية ذاته فبالتالي مِنْ باب أولى أننا لا نعلم كيفية اتصافه بتلك الصفات.

وبعد أن قَرَّر الإمامُ الخطابيُّ هذا المعتقد تعرَّض لنقض كلام المخالف، فقال: «وقد نفاها قومٌ فأبطلوا ما أثبته الله»، ويعني بذلك: المعطِّلة، الذين منهم من نفى جميع الأسماء والصفات. ومنهم من كان دون ذلك؛ فنفى الصفات وأثبت الأسماء، وهؤلاء المعتزلة. ومنهم مَنْ أثبت بعض الصفات ونفى البعض الآخر، وهؤلاء هم الكلابية والأشاعرة والماتريدية فهم في تعطيلهم درجات؛ لكنهم اشتركوا جميعًا في أمر واحد، وهو التعطيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>