للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال: «وحَقَّقها قومٌ مِنْ المُثبتين؛ فخرجوا في ذلك إلى ضَرْبٍ من التشبيه والتكييف»، يقصد بهم: المشبهة (الممثلة).

ثم قال: «والقصد: إنما هو سلوك الطريقة المستقيمة بين الأمرين»؛ أي: إن معتقد أهل السنة والجماعة وسط بين هاتين الطائفتين؛ (المعطلة والمشبهة).

فلم ينفوا أمرًا أثبته الله لنفسه، وما بالغوا في الإثبات حتى وصلوا به إلى التشبيه والتكييف؛ فنجوا من آفة التعطيل ومن آفة التشبيه، وهذا هو توحيد الأسماء والصفات.

فالتعطيل والتشبيه ضدان؛ فمن نجا منهما سَلِم له توحيد الأسماء والصفات نقيًّا صافيًا.

فمعرفة الله بأسمائه وصفاته لا ينبغي أن يخالطها داء التعطيل أو داء التشبيه؛ لأن كلًّا منهما مفسد لها.

فمن رام أن يبقى له باب معرفة الله ﷿ مفتوحًا سليمًا صحيحًا، فإنه لا بد له من الاستقامة على منهج أهل السنة والجماعة، وذلك بالتقيد بهذه الثوابت، وعدم الميل إلى أحد هذين الداءين.

ثم قال الإمام الخطابي كلمة رائعة بديعة، وهي: «دين الله تعالى بين الغالي فيه والجافي والمُقصر عنه»، وهذه وسطية أهل السنة والجماعة: وسط في باب الإيمان، وسط في باب القَدَر، وسط في باب الصفات، وسط في باب الصحابة، وسط في باب الإمامة، وسط في كلِّ أبواب العقيدة، فلم يصلوا إلى درجة الغالين ولم يصلوا إلى درجة الجافين.

ثم قال الإمام الخطابي: «والأصل في هذا: أنَّ الكلام في الصفات فرعٌ على الكلام في الذَّات، ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله. فإذا كان معلومًا أن إثبات الباري سبحانه إنما هو إثبات وجود، لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود، لا إثبات تحديد وتكييف».

فبعد التقعيد العام أكد الخطابي على قاعدة: إن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات.

وهذه حجة على أهل التعطيل النُّفاة.

لأن شُبهة النفاة: هي اعتقادهم أن إثبات الصفات يستلزم منه التشبيه.

فيُقال لهم: إن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، ويُحتذى في ذلك حذوه ومثاله، أي: كما يقال في الذات يقال في الصفات.

<<  <  ج: ص:  >  >>