للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فمعلومٌ أن إثبات ذات الباري سبحانه إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية.

ونقول لهؤلاء: هل الله موجود أو معدوم؟

فقطعًا، الله موجودٌ.

فهل معنى إثباتنا لوجود الله تعالى أننا كيَّفنا؟!

بالطبع لا، فكذلك إثباتنا لصفاته إنما هو إثبات وجود، فأن تُثبت لله سمعًا مثل أن تثبت لله وجودًا، وأن تثبت لله استواءً مثل أن تثبت لله وجودًا، وأن تثبت لله يدًا مثل أن تثبت لله وجودًا، وهكذا، ولا دخل للتكييف أو التشبيه في ذلك، وإنما التكييف أو التشبيه عندما تقول: استوى استواء كاستوائي، أو له يد كيدي.

فهذا أحد الأدلة العقلية في هذا الباب؛ لأنَّ كثيرًا من هؤلاء المخالفين لمنهج السلف إذا أوردت له الأدلة من الكتاب والسنة طلب دليلًا عقليًّا؛ لأن طريق الأشاعرة-مثلًا-في إثبات ما أثبتوه من صفات: إنما هو العقل؛ فيحتجُّون بأن هذه الصفات أثبتها العقل، ونحن كذلك يمكن أن نحتجَّ عليهم بالأدلة العقلية؛ فنقول: إن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أن إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيف، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيف.

ثم فصل الخطابي معتقد أهل السنة في الصفات؛ فقال: «فإذا قلنا: يد وسمع وبصر، وما أشبهها، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه»؛ أي: أثبت وجودها. ثم نفى وقوع التحريف فيها؛ فقال: «ولسنا نقول: إن معنى اليد: القوة أو النِّعمة، ولا معنى السمع والبصر: العلم، ولا نقول: إنها جوارح»؛ لأن هؤلاء المعطلة أتوا بألفاظ-في مسألة إثبات الصفات-لم تَرِد بها النصوص، وأرادوا أن يلصقوها بها؛ فقالوا: إنه يلزم من إثبات اليد لله سبحانه إثبات الجارحة له، أو إثبات الأجزاء، أو الأبعاض، أو الجسمية، وهكذا قالوا في الاستواء: يلزم منه إثبات الحيز، وإثبات المكان.

وأهل السنة قاطبة في هذا الباب متقيِّدون بالنص؛ فلا هم الذين يحرفون ويقولون: اليد بمعنى النعمة أو القوة أو القدرة، ولا يقولون: إنَّ استوى بمعنى استولى، ولا غير ذلك من التحريفات أو التأويلات، ولا هم الذين يبالغون فيقولون: إنها جوارح، أو إنها أبعاض.

فمثل هذه الألفاظ يُمنع استعمالها عند السلف؛ لأن النص لم يَرد بإثباتها،

<<  <  ج: ص:  >  >>