للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فلفظة (بذاته) مراد بها أن الله مستو على العرش حقيقة وأن الاستواء صفة له.

وكقولهم: "إن الله عالٍ على خلقه بائن منهم".

فلفظة (بائن) يراد بها إثبات العلو حقيقة، والرد على زعم من قال إن الله في كل مكان بذاته.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والمقصود-هنا-أن الأئمة الكبار كانوا يمنعون من إطلاق الألفاظ المبتدعة المجملة، لما فيها من لبس الحق بالباطل، مع ما تُوقعه من الاشتباه والاختلاف والفتنة، بخلاف الألفاظ المأثورة، والألفاظ التي بينت معانيها، فإن ما كان مأثوراً حصلت به الألفة، وما كان معروفاً حصلت به المعرفة" (١).

وقال أيضاً: "فطريقة السلف والأئمة أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل.

ويراعون أيضاً الألفاظ الشرعية، فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلا.

ومن تكلم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه.

ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً نسبوه إلى البدعة، وقالوا إنما قابل البدعة ببدعة ورد باطلاً بباطل" (٢).

فيستفاد من كلام شيخ الإسلام المتقدم أن الألفاظ على أربعة أقسام:

القسم الأول: الألفاظ المأثورة، وهي التي وردت بها النصوص.

القسم الثاني: الألفاظ المعروفة، وهي التي بُيِّنَت معانيها.

القسم الثالث: الألفاظ المبتدعة، التي تدل على معنى باطل.

القسم الرابع: الألفاظ المبتدعة، التي تحتمل الحق والباطل.

فلفظ (الذات) و (بائن) هي من القسم الثاني.

وهذه الألفاظ كما أسلفنا إنما تستعمل في باب الإخبار ولا تستعمل في باب الأسماء والصفات.

فهذا النقل يدل على إثبات علوه تعالى وإثبات استوائه، ويؤكد على أن عقيدة أهل السنة ليست تشبيهًا ولا تكييفًا ولا تفويضًا فيقول هنا: «لا يحل فيها، ولا يمتزج بهم، وهو مستو على عرشه في سمائه دون أرضه وخلقه»، فهذا الكلام-أيضًا-يصبُّ في


(١) درء تعارض العقل والنقل (١/ ٢٧١).
(٢) درء تعارض العقل والنقل (١/ ٢٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>