للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فيلجأون إلى الصوفية؛ فيضمون إلى باطلهم باطلاً آخر؛ لأن علمهم لم ينبنِ على الكتاب والسنة.

وهذا أوقعهم في تخبط شديد، حتى إن الشيطان دخل عليهم من هذا الباب، وخيَّل لهم أنهم يرون الله، وأنه يُكشف لهم الحجاب، وغير ذلك من أباطيلهم وترهاتهم.

ولذلك نحذر طلبة العلم-الذين يحرصون على اتباع منهج السلف-من إهمال جانب العمل، ونعم، نرى في الكثير من طلبة العلم حرصًا على طلب العلم وتحصيله وجمعه، ولكنهم في العمل على حال بعض أهل الكلام، وبالتالي نذكرهم بقول شيخ الإسلام: «إن مَنْ كان فيه ترك للعمل ففيه شبه بأهل الكلام» (١). وليس هذا من منهج أهل السنة، وإنما منهج أهل السنة هو (العلم والعمل) معًا؛ لأن العلم حجة على صاحبه إذا لم يَعمل به.

وقد ثبت في الحديث الصَّحيح عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: «إنَّ أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجلٌ استشهد فأُتيَ به فعرَّفه نعمَه فعَرَفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كَذَبت، ولكنك قاتلت لأن يُقال: هو جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسُحبَ على وجهه حتى ألقي في النار. ورجلٌ تعلَّم العلم وعلَّمه وقرأ القرآن فَأُتِي به فعرَّفه نعمَه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تَعَلَّمت العلم وعَلَّمْتُه وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل. ثم أمر به فسُحبَ على وجهه حتى ألقي في النار. ورجلٌ وَسَّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فَأُتِي به فعَرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تُحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسُحبَ على وجهه ثم ألقي في النار» (٢).

فإذا كان هدفك من تحصيل العلم أن تَجعله مجرد أداة تتحصل بها على متاع الدنيا؛ كمنصب أو منزلة أو مال دون أن تعمل بما علمت، فلا بد أن هناك خللًا في النية وبعدًا عن منهج أهل السنة والجماعة.

فالصوفية في بدايتها كانت زُهدًا وتجردًا، ولكن بسبب الميل إلى جانب العمل


(١) انظر كتاب درء تعارض العقل والنقل الجزء الثامن صفحة (٧٠).
(٢) رواه مسلم (١٩٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>