تيمية:«من دعا إلى العلم دون العمل المأمور به كان مضلًّا، ومَن دعا إلى العمل دون العلم كان مضلًّا، وأضل منهما مَنْ سلك في العلم طريق أهل البدع؛ فيتبع أمورًا تُخالف الكتاب والسنة يظنها علومًا وهي جهالات. وكذلك مَنْ سلك في العبادة طريق أهل البدع؛ فيعمل أعمالًا تُخالف الأعمال المشروعة يظنها عبادات، وهي ضلالات. فهذا وهذا كثير في المنحرف المنتسب إلى فقه أو فقر. يجتمع فيه أنه يدعو إلى العلم دون العمل، والعمل دون العلم، ويكون ما يدعو إليه فيه بدع تخالف الشريعة.
وطريق اللّه لا تتم إلا بعلم وعمل، يكون كلاهما موافقًا الشريعة.
فالسالك طريق الفقر والتصوف والزهد والعبادة إن لم يَسلك بعلم يُوافق الشريعة، وإلَّا كان ضالًّا عن الطريق، وكان ما يُفسده أكثر مما يصلحه. والسالك من الفقه والعلم والنظر والكلام إن لم يُتابع الشريعة ويَعمل بعلمه وإلَّا كان فاجرًا ضالًّا عن الطريق. فهذا هو الأصل الذي يجب اعتماده على كل مسلم» (١).
فمن كان عنده علم بدون عمل ففيه شَبَهٌ بأهل الكلام؛ لأنهم اهتموا بالعلم وامتدحوه وأهملوا العمل، وجاء الصوفية في المقابل؛ فاهتموا بالعمل وامتدحوا وأهملوا العلم.
فهذه القسمة مهمة لطالب العلم جدًّا؛ لأنها أشبه بجناحي الطائر، فإذا أردت أن تكون سُنِّيًا سلفيًّا فلا غنى لك عن هذين الجناحين:(العلم والعمل).
ولذلك حمل الإمام أحمد رحمه الله تعالى على الحارث المحاسبي؛ حيث وجده مهتمًّا بالكلام في محاسبة النفس وأخذها بالشدة وسلوك طريق التقشف التي لم يَرد بها الشرع مُتَقَلِّلًا من شأن العلم النافع (الكتاب والسنة).
ومنهج أهل السنة يرفض ذلك رفضًا تامًّا، فأهل السنة يقولون: لا بد من العلم والعمل معًا، وينبغي أن يكون كلٌّ من العلم والعمل مبنيًّا على الكتاب والسنة، فينبغي أخذ العلم من الكتاب والسنة، وينبغي كذلك أخذ العمل من الكتاب والسنة.
فأهل الكلام اهتموا بالعلم فقط، وأهملوا العمل، ولذلك إذا قرأت في كتبهم تجد التركيز على القضايا العلمية (النظرية)، ولا تجد فيها ذكرًا لجانب العمل.
ولذلك تلمس الآن في واقعهم: أنَّ الأشعرية منهم بحاجة ماسة إلى العمل؛