للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التعطيل يقولون مثلًا: لا نعقل من الضحك إلا تكشير الأنياب. وهذا سوء تعبير؛ لأن الذي أخبر بالضحك هو النبي . وضحك الله هو كما يليق بجلاله وكماله ﷿.

فبالتالي لا ينبغي للإنسان أن يخوض في شأن هيئة هذا الضحك، أو كيفيته، وفي الوقت ذاته لا يجوز له أن يُؤَوِّل أو يُحَرِّف هذه النصوص؛ لأنها نصوص واضحة في إثبات تلك الصفات، ولا تقبل تلك التأويلات بأيِّ حال من الأحوال.

ثم يقول الفضيل: «فإذا قال الجهمي: أنا أكفر بربٍّ يزول عن مكانه. فقل: بل أومن برب يفعل ما يشاء» (١). فهكذا جواب أهل السنة؛ أنهم يتمسكون بهذه النصوص ويعتصمون بها ويثبتونها لله ﷿؛ لأن الله ﷿ قد أخبر بها، وكذلك رسوله قد أخبر بها.

ولذلك لما قال بعض هؤلاء: إذا أثبت جهة العلو يَنبغي أن تثبت جهة السفل؛ لأن مَنْ له فوق له تحت (٢)!

وهذه شُبهة من شبهات الجهمية؛ قالوا: إذا أثبت لله ﷿ جهة العلو فيجب أن تثبت له جهة السُّفل، أو تثبت له التحتية كما أثبتَّ له الفوقية والعُلُوَّ.

فما كان جواب أهل السنة إلا أن قالوا: لو أثبتَ الله لنفسه التحت، لأثبتناه له كذلك، لكننا لم نثبت العلوَّ له من تلقاء أنفسنا، وإنما الله هو الذي أثبته لنفسه ﷿؛ لذلك فنحن نُثبت له ما أثبته لنفسه ابتداء.

فانظر إلى جواب أهل السنة الذي يلجم كلَّ معارض في هذا، فالله ﷿-هو الذي أثبت لنفسه جهة العلوِّ، وهو الذي أثبت لنفسه الاستواء على العرش، فهذا أمر لم يَصدر من البشر ولم يصدر منا في حقه !

فعندما قال الجهمي: أنا أكفر بربٍّ يزول عن مكان، كان جواب السنِّي: بل أؤمن برب يفعل ما يشاء.

فالمؤمن يُسَلِّم بخبر الله ﷿ ويؤمن به ولا يُكذبه، بخلاف أهل التعطيل الذين أنكروا ذلك وحاولوا جاهدين أن يَنفوا تلك الصفات بأنواع وطرق من التأويلات قد ذكرناها سابقًا.

فمثلًا لو جئت للجهمية أو المعتزلة، وكذا غالب الأشاعرة والماتريدية، لوجدتهم


(١) انظر: «خلق أفعال العباد» للبخاري (ص ٣٣).
(٢) انظر: «بيان تلبيس الجهمية» (٥/ ٣١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>