للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والشاهد من هذه السورة: قوله: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٤]، فمعلوم أن الشيء إنما تُعْلَم كيفيته من وجوه:

الأول: برؤيته ومشاهدته، فالإنسان متى ما شاهد الشيء ورآه استطاع أن يصفه، وهذا كما نعلم جميعًا أنه في حق الله تعالى مُمتنع، وحديث النبي واضح في ذلك حيث قال للصحابة رضوان الله عليهم: «تَعَلَّمُوا؛ أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ ﷿ حَتَّى يَمُوتَ» (١)، فإذًا فباب رؤية الله تعالى والاطلاع على كيفية ذاته-مَوصود إلى قيام الساعة.

الثاني: وجود النظير المماثل أو المساوي للشيء؛ فأنت إذا رأيت شخصًا، ثم رأيت من يشبهه قلت: هما في الهيئة والشكل سواء، ولذلك قال الله : ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٤]، ومعنى الكفو أو الكفؤ على القراءة الأخرى المتواترة: هو المَثيل والشبيه والنظير. فإذًا ليس هناك مثيلٌ لله حتى نقيس الله عليه.

فإذًا لم يبقَ لنا أيُّ طريق لمعرفة الكيفية، فهذا باب موصود، وبالتالي لا يجوز الخوض فيه بأيِّ حال من الأحوال، وهذه من الأسس الثابتة في منهج أهل السنة والجماعة.

ثم قال بعد ذلك: «وكل هذا النزول والضحك وهذه المباهاة وهذا الاطلاع، كما يشاء أن ينزل، وكما يشاء أن يباهي، وكما يشاء أن يضحك، وكما يشاء أن يَطَّلع»، فليس لنا أن نتوهم كيف وكيف، كيف يضحك؟ كيف ينزل؟ كيف استوى؟ كيف يباهي؟ كل هذه أمور غيبية بالنسبة لنا، فينبغي على طالب العلم ألا يتجرَّأ في هذا الباب وألا يخوض فيه ولو بمجرد التعبير.

فَمِنْ معتقد أهل السنة: أن الإنسان إذا أثبت صفةً من الصفات، فقال مثلًا: ينزل ربنا للسماء الدنيا، أن يقول في ذلك: كما يليق بجلاله وكماله، والله أعلم بكيفية نزوله، وهكذا، والله يضحك كما يليق بجلاله وكماله ، والله أعلم بكيفية ذلك.

ففي كل هذه الصفات يجب على الإنسان أن يقف فيها على النص، ومعلوم أن العبد إذا تمسك بذلك فقد تميَّز عن طوائف التعطيل وطوائف التشبيه؛ لأن طوائف


(١) انظر: «صحيح مسلم»، كتاب (الْفِتَن وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ)، بَاب (ذِكْرِ ابْنِ صَيَّادٍ)، برقم (٢٩٣٠)، والترمذي (٢٢٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>