للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا كثير في الناس اليوم، إمَّا أن تراه متساهلًا غير ملتزم بأمور الدين، فقد يكون مضيعًا لفرائص الإسلام، واقعًا في الشهوات المحرمة، مبتعدًا عن هدي الإسلام في هيئته ولباسه وكلامه وحياته كلها.

وإما أن تراه غاليًا متشددًا في الدين على جهل.

فيدخل الشيطان على الإنسان من هذا الباب، لما يَرى عنده من قلة علمٍ، فيبدأ بعد ذلك يزين له الآراء والأحكام والأقوال المتشددة، حتى يوقعه في غلُوٍّ يُخرجه عن هذا الدين، والنبي حَذَّرنا من الغلُوِّ في الدين؛ فقال: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ» (١)، وقال هذا عند لقط الحصى من المزدلفة، فنهى عن الغلُوِّ في قدر الحصى، فما بالنا في سائر أمور الدين؟

وبَيَّن النبي حال الخوارج، فقال: «تُحَقِّرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَأَعْمَالَكُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ» (٢).

إذًا هم أهل دين والتزام، حتى إن أحدهم من كثرة تعبُّده وصلاته وصيامه يفوق الصحابة في ذلك، ويحقرون صلاتهم إلى صلاتهم، ومع ذلك يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.

وفي كتاب «إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان» لابن القيم، بيان لمسالك ودروب الشيطان التي يَسلكها مع بني آدم فيجدر الاطلاع عليه.

وينبغي على الإنسان أن يحذر هذه الأبواب، وأن يُغلقها جميعًا، ولا يظن أنها باب أو بابان أو ثلاثة، بل هي أبواب كثيرة، والنجاة من ذلك كله أن يعتصم الإنسان بالعلم الصحيح والعمل الصحيح؛ لأن الشهوات تأتي في ناحية الإرادة والعمل؛ والشبهات تأتي في ناحية التفكير والنظر، فإذا سلِم الإنسان في فكره ونظره لا يسلَم حتى يكون على علم، وإذا سلِم في إرادته لا يسلَم حتى يكون على عمل صحيح، فبالتالي يغلق أبواب الشر كلها على الشيطان.


(١) انظر «سنن ابن ماجه» برقم (٣٠٢٩)، والنسائي (٣٠٥٧)، وأحمد في «المسند»، (ومِنْ مُسْنَدِ بَنِي هَاشِمٍ) (١٨٥١)، وقال الألباني في «التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان» (٦/ ٧٠): «صحيح».
(٢) انظر: «صحيح البخاري»، كِتَاب (اسْتِتَابَةِ المُرْتَدِّينَ وَالمُعَانِدِينَ وَقِتَالِهِمْ)، بَاب (قَتْلِ الخَوَارِجِ وَالمُلْحِدِينَ بَعْدَ إِقَامَةِ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ)، برقم (٦٩٣١)، ومسلم كِتَاب (الزَّكَاةِ)، بَاب (ذِكْرِ الْخَوَارِجِ وَصِفَاتِهِمْ) (١٠٦٤)، وأبو داود (٤٧٦٤)، وابن ماجه (١٦٩)، والنسائي (٢٥٧٨)، ومالك (١٠)، وأحمد في «المسند»، (مُسْنَد الْمُكْثِرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ) (١١٢٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>