فإذا بنى الإنسان فكره ونظره على علم صحيح، مَيَّز فيه بين ما هو من دين الله تعالى وما ليس من دينه ﷿. وهذا كله إنما يتأتى من العلم المبنيِّ على الكتاب والسنة، ولذلك لا تَستغرب عندما يبوِّب البخاري بابًا بعنوان:«باب العلم قبل القول والعمل»؛ لأن العلم يَحرس الإنسان ويحميه وينجيه بإذن الله-﷿-من المهالك.
فالإنسان بحاجة إلى ما يُصحِّح به نظره وفكره، حتى تستقيم لديه الموازين؛ فيَعرف ما ينفعه وما يضره، وهذا إنما يتأتى بالعلم؛ لأن هذا العلم مِنْ أول ما يغرس في هذا الإنسان معرفة الله ﷿، ولذلك الجهل إنما يؤدي إلى الجهل بالله ﷿، وتذكر قول الله تعالى: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾ [الحشر: ١٩]، وتأمل قوله تعالى: ﴿فأنساهم أنفسهم﴾؛ بمعنى: أن يصل الإنسان إلى حالٍ لا يَعرف فيه ما يصلحه وينفعه.
وانظروا إلى أولئك الذين نراهم في هذه الدنيا وقد أصبحوا في عداد البهائم وصاروا لا يعرفون الله ﷿، وترى مِنْ أحوالهم ما الله به عليم، من ضياع لأنفسهم في أمور الآخرة، بل حتى في أمور الدنيا.
فانظر-مثلًا-إلى الأماكن التي يجتمع فيها هؤلاء؛ فترى الواحد منهم يتعاطى السم الزعاف، ويُهلك صحته التي وهبها الله ﷿ له، وتراه غارقًا في لهوه وتجري به الأيام حتى ينتهي عمره، ثم بعد ذلك يلقى مصيره عند الله ﷿.
وانظر في المقابل إلى الذين عرفوا الله ﷿، وتعلموا العلم؛ فأصبح هذا العِلم يَقيهم مصارع السوء، وأصبح حصنًا لهم يَرجعون إليه في نظرهم وفكرهم وموازينهم، وفي جميع أمورهم الدينية والدنيوية؛ فأنقذهم الله ﷿ به.
فالشاهد: أن الشيطان يأتي للإنسان من هذين البابين: (باب الشهوات، وباب الشبهات)، خاصَّةً إذا كان عند الإنسان دين؛ لأن صاحب الشهوة قد صار في حزب الشيطان وسلك طرقه، فيكون الشيطان قد انتهى من شأنه، ولا حاجة للشيطان أن يشغله بشيء آخر، وإنما يسعى الشيطان سعيًا حثيثًا إلى مَنْ هو على طريق الهداية.
وقد أخذ عدو الله عهدًا على نفسه؛ ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [ص: ٨٣: ٨٢].
فمن كان من عباد الله المخلصين نجا من هذا العدوِّ اللعين؛ الذي يتربَّص بالإنسان إلى آخر لحظات حياته.
هذا وليعلم مع ذلك أن كيد الشيطان؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ