للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأخبر سبحانه … أنه أتبعهم في الدنيا لعنة، ويوم القيامة هم من المقبوحين؛ فهذا نص في أن فرعون من الفاسقين المكذبين لموسى الظالمين الداعين إلى النار الملعونين في الدنيا بعد غرقهم، المقبوحين في الدار الآخرة، وهذا نص في أن فرعون بعد غرقه ملعون، وهو في الآخرة مقبوح غير منصور، وهذا إخبار عن غاية العذاب، وهو موافق للموضع الثاني في سورة المؤمن، وهو قوله: (وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوًا وعشيًا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) وهذا إخبار عن فرعون وقومه؛ أنه حاق بهم سوء العذاب في البرزخ، وأنهم في القيامة يدخلون أشد العذاب، وهذه الآية إحدى ما استدل به العلماء على عذاب البرزخ.

وإنما دخلت الشبهة على هؤلاء الجهال: لما سمعوا (آل فرعون) فظنوا أن فرعون خارج منهم؛ وهذا تحريف للكلم عن مواضعه، بل فرعون داخل في (آل فرعون) بلا نزاع بين أهل العلم بالقرآن واللغة … (١)

وقال أيضاً: وقال تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارًا في الأرض) إلى قوله: (سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون) فأخبر عن الأمم المكذبين للرسل أنهم آمنوا عند رؤية البأس، وأنه لم يك ينفعهم إيمانهم حينئذ، وأن هذه سنة الله الخالية في عباده.

وهذا مطابق لما ذكره الله في قوله لفرعون: (آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) فإن هذا الخطاب هو استفهام إنكار؛ أي: الآن تؤمن، وقد عصيت قبل؟! فأنكر أن يكون هذا الإيمان نافعًا أو مقبولاً، فمن قال: إنه نافع مقبول؛ فقد خالف نص القرآن، وخالف سنة الله التي قد خلت في عباده. يبين ذلك أنه لو كان إيمانه حينئذ مقبولاً؛ لدفع عنه العذاب، كما دفع عن قوم يونس، فإنهم لما قبل إيمانهم؛ متعوا إلى حين، فإن الإغراق هو عذاب على كفره، فإذا لم يكن كافرًا؛ لم يستحق عذابًا.

وقوله بعد هذا: (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) يوجب أن يعتبر من خلفه، ولو كان إنما مات مؤمنًا؛ لم يكن المؤمن مما يعتبر بإهلاكه وإغراقه.


(١) الفتاوى (٢/ ٢٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>