وقال تعالى: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى﴾ [غافر: ٣٧: ٣٦]، ثم استأنف الكلام فقال: ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا﴾ [غافر: ٣٧]، فيما قال لي: إنَّ إلهه فوق السموات.
فبَيَّنَ الله ﷾ أن فرعون ظن بموسى أنه كاذب فيما قال، وعمد لطلبه حيث قاله من الظن بموسى أنَّه كاذب، ولو أن موسى قال: إنه في كل مكان بذاته، لطلبه في بيته أو في بدنه، أو في وحشه؛ فتعالى الله عن ذلك، ولم يجهد نفسه ببنيان الصرح».
أشار هنا إلى تنوع سياقات الآيات ودلالتها في إثبات صفة العلو وقد سبق الإشارة إلى ذلك فالقرآن الكريم من أوله إلى آخره مليء بما هو إما نص ظاهر في أن الله فوق كل شيء، وأنه عال على خلقه ومستو على عرشه، وقد تنوعت تلك الدلالات، فوردت بأصناف من العبارات، فقد أشار العلماء إلى ذلك التنوع في العبارة على إثبات هذه الصفة، ومن ذلك:
١ - التصريح بالفوقية مقرونة بأداة (من) المعينة لفوقية الذات نحو: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ﴾ [النحل: ٥٠].
٢ - ذكرها مجردة عن الأداة، كقوله: ﴿وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٨].
٣ - التصريح بالعروج إليه، نحو ﴿تَعْرُجُ المَلَائِكَةُ وَالرُّوُحُ إِلَيْهِ﴾ [المعارج: ٤].
٤ - التصريح بالصعود إليه، كقوله: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ اَلكَلِمُ الطّيّبُ﴾ [فاطر: ١٠].
٥ - التصريح برفعه بعض المخلوقات إليه، كقوله: ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ﴾ [النساء: ١٥٨]، وقوله: ﴿إِنّي مُتَوفَيّكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ [آل عمران: ٥٥].
٦ - التصريح بالعلو المطلق الدال على جميع مراتب العلو، ذاتاً، وقدراً، وشرفاً، كقوله: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ ﴿إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾.
٧ - التصريح بتنزيل الكتاب منه كقوله: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [الزمر: ١]، ﴿تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٢]، ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَّبِّكَ بِالْحَقِّ﴾ [النحل ١٠٢]. وهذا يدل على شيئين:
الأول: على أنَّ القرآنَ ظَهَر منه لا من غيره، وأَنَّهُ الذي تكلم به، لا غيره.