للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

«وأن قوله ﴿عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥]، ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٨]، ﴿أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ﴾ [الملك: ١٦]، ﴿إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٤٢]، فهذا وغيره مثل قوله: ﴿تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ [المعارج: ٤]، ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: ١٠]، هذا منقطع يُوجب أنه فوق العرش، فوق الأشياء كلها، منزه عن الدخول في خلقه، لا يخفي عليه منهم خافية؛ لأنه أبان في هذه الآيات أن ذاته بنفسه فوق عباده؛ لأنه قال: ﴿أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾، يعني فوق العرش، والعرش فوق السماء؛ لأن مَنْ قد كان فوق كل شيء على السماء في السماء، وقد قال مثل ذلك في قوله: ﴿فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ﴾ [التوبة: ٢]، يعني: على الأرض، لا يريد الدخول في جوفها. وكذلك قوله: ﴿يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ﴾ [المائدة: ٢٦]، يعني على الأرض لا يريد الدخول في جوفها، وكذلك قوله: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه: ٧١]، يعني: فوقها عليها.

وقال: ﴿أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾، ثم فصل فقال: ﴿أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ﴾، ولم يصل، فلم يكن لذلك معنى إذ فصل بقوله: ﴿مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾، ثم استأنف التخويف بالخسف إلا أنه على عرشه فوق السماء.

وقال تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ﴾ [السجدة: ٥]، وقال: ﴿تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْه﴾ [المعارج: ٤]، فبين عروج الأمر وعروج الملائكة، ثم وصف وقتَ صعودها بالارتفاع صاعدةً إليه، فقال: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج: ٤]، فقال: صعودها إليه، وفصله من قوله: ﴿إِلَيْهِ﴾ [المعارج: ٤]، كقول القائل: اصعد إلى فلان في ليلة أو يوم، وذلك أنه في العلو وأن صعودك إليه في يوم، فإذا صعدوا إلى العرش فقد صعدوا إلى الله ﷿، وإن كانوا لم يروه، ولم يُساووه في الارتفاع في علوه، فإنهم صعدوا من الأرض وعرجوا بالأمر إلى العلو؛ قال الله تعالى: ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ﴾ [النساء: ١٥٨]، ولم يقل: عنده.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>