فإن الناجية ما كان عليه هو وأصحابه، ثم قال: فَلَزِمَ الأمة قاطبة معرفة ما كان عليه الصحابة، ولم يكن الوصول إليه إلا من جهة التابعين لهم بإحسان، المعروفين بنقل الأخبار ممن لا يقبل المذاهب المحدثة؛ فيتصل ذلك قرنًا بعد قرن ممن عُرفوا بالعدالة والأمانة الحافظين على الأمة مَا لَهم وما عليهم من إثبات السُّنَّة».
مجمل ما ورد من خطبة كتاب الإمام أبي عبد الله؛ محمد بن خفيف مشتمل على تأصيل منهج التلقي عند أهل السنة والجماعة، الذي أخذوه من الكتاب والسنة وكلام الصحابة والتابعين في فهم الكتاب والسنة، والتابعون لم يستقلوا ببيان مسائل الاعتقاد؛ بل هم مُقرِّرون لما جاء في النصوص؛ إذ شرط الاعتقاد الصحيح ما كان في الكتاب والسنة وما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم. فهذا هو قيد الاعتقاد الصحيح، وهو ما أجمع عليه سلف الأمة من الصحابة فمن بعدهم.
والأمور الغيبية لا دخل للعقل فيها؛ لأنه راجع في إدراكه وفي تصوراته إلى قياس الأمور بعضها مع بعض، وهو لا يدرك المعارف بعد قياس ما لم يَره على ما رآه، وقياس ما لم يَسمعه على ما سمعه، وقياس عالم الغيب على عالم الشهادة وإدخال العقل في ذلك هذا من مناهج أهل الضلال.
وقياس عالم الغيب سواء في أسماء الله جل وعلا وصفاته أو في صفة الجنة والنار، أو في عالم الملائكة، أو في أي أمر غيبي أثبتته النصوص، فإن الخوض فيه بدلالة عقلية بمخالفة ظاهر ما دلت عليه النصوص راجع إلى قياس العقل عالم الغيب على عالم الشهادة.