«إلى أن قال: فأول ما نبتدئ به ما أوردنا هذه المسألة من أجلها: ذِكر أسماء الله ﷿ في كتابه، وما بَيَّن ﷺ من صفاته في سُنَّته، وما وصف به ﷿ مما سنذكر قول القائلين بذلك، مما لا يجوز لنا في ذلك أن نَرده إلى أحكام عقولنا بطلب الكيفية بذلك، ومما قد أمرنا بالاستسلام له».
الأصل في الدين الاتباع والمعقول تَبع؛ فمعتقد أهل السنة في هذا الباب وفي غيره من أبواب العقائد والأحكام: أنَّ العقل المجرد ليس له إثبات شيء من العقائد والأحكام، وإنما المرجع في ذلك إلى القرآن والسنة.
فالعقل لا يُمكنه إدراك ما يستحقه الله تعالى من الأسماء والصفات؛ فوجب الوقوف في ذلك على النص؛ لأن العقل يَقصر عن إدراك حقيقة المغيبات، حتى وإن كانت تلك المغيبات أقرب شيء إليه، فهو قاصر عن أن يُحيط علمًا بحقيقة رُوحه التي بين جَنْبَيْه؛ لمَّا أخفى الله أمرها عنه؛ قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً﴾، فإذا كان الإنسان يجهل أمر رُوحِه، فكيف يحيط علمًا بذات الله وما يَصلح وما لا يَصلح لذاته من الأسماء والصفات، والله قد أخفى عن الخلق كيفيَّة ذاته؟!
(واعلم أن فصل ما بيننا وبين المعطلة هو "مسألة العقل"، فإنهم أسسوا دينهم على المعقول، وجعلوا الاتباع والمأثور تبعًا للمعقول.
وأما أهل السنة فقالوا: الأصل في الدين الإتباع، والمعقول تبع، ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي، وعن الأنبياء، ولبطل معنى الأمر والنهي، ولقال من شاء ما شاء) (١).
فالتقرير بأن النقل مقدم على العقل لا ينبغي أن يفهم منه أن أهل السنة ينكرون العقل والتوصل به إلى المعارف والتفكير به في خلق السموات والأرض، وفي