للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الشوكانيُّ : «وأمَّا بعد انتشارِ الإسلام واتِّساعِ رقعته وتَباعُدِ أطرافه، فمعلومٌ أنه قد صارَ في كُلِّ قطرٍ أو أقطارٍ الولايةُ إلى إمامٍ أو سلطانٍ، وفي القطر الآخَرِ أو الأقطار كذلك، ولا يَنْفُذُ لبَعْضِهم أمرٌ ولا نهيٌ في قُطْرِ الآخَرِ وأقطاره التي رجعَتْ إلى ولايته؛ فلا بأسَ بتَعَدُّدِ الأئمَّةِ والسلاطين، ويجب الطاعةُ لكُلِّ واحدٍ منهم بعد البَيْعةِ له على أهل القُطْر الذي ينفذ فيه أوامرُه ونواهيه، وكذلك صاحِبُ القطر الآخَر، فإذا قامَ مَنْ يُنازِعُه في القطر الذي قد ثَبَتَتْ فيه ولايتُه وبايَعَهُ أهلُه كان الحكمُ فيه أَنْ يُقْتَلَ إذا لم يَتُبْ، ولا تجب على أهل القطر الآخَرِ طاعتُه ولا الدخولُ تحت ولايته لِتَباعُدِ الأقطار، …

فاعْرِفْ هذا فإنه المُناسِبُ للقواعد الشرعية، والمُطابِقُ لِمَا تدلُّ عليه الأدلَّةُ، ودَعْ عنك ما يُقالُ في مُخالَفته؛ فإنَّ الفرق بين ما كانَتْ عليه الولايةُ الإسلاميةُ في أوَّلِ الإسلامِ وما هي عليه الآنَ أَوْضَحُ مِنْ شمس النهار، ومَنْ أَنْكَرَ هذا فهو مُباهِتٌ لا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُخَاطَبَ بالحجَّة لأنه لا يَعْقِلُها» (١).

المسألة الثالثة: تَوَلَّى الكافرُ الحُكْمَ.

وأمَّا إِنْ تَوَلَّى الكافرُ الحُكْمَ: فإِنْ تَوفَّرَتِ القدرةُ والاستطاعةُ على تنحيته وتبديلِه بمسلمٍ كُفْءٍ للإمامة مع أَمْنِ الوقوعِ في المَفاسِدِ وَجَبَتْ إزالتُه إجماعًا؛

• لأنَّ الله تعالى قال: ﴿وَأُولِي الأَمرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩]، والكافرُ لا يُعَدُّ مِنَ المسلمين.

• وقال الله-﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [آل عمران: ١١٨].

قال القرطبيُّ: "نَهى الله المؤمنين بِهذه الآية أن يَتَّخِذوا من الكُفَّار واليهود وأهل الأهواء دُخلاءَ ووُلَجاء يُفاوضونهم في الآراء، ويُسندون إليهم أمورَهم" (٢).

• قال الله تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٤١].

قال القاضي ابن العربيِّ: "إنَّ الله سبحانه لا يَجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً بالشَّرع، فإن وجد فبِخلاف الشرع" (٣).


(١) «السيل الجرَّار» للشوكاني (٤/ ٥١٢).
(٢) تفسير "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٤/ ١٧٩).
(٣) "شرح صحيح مسلم" للنووي (٦/ ٣١٤ (.

<<  <  ج: ص:  >  >>