للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العلم، أي: إنَّما يَعلمها-سبحانه-بعد وقوعِها، وكذبوا على الله وجَلَّ عن أقوالهم الباطلة علوًّا كبيرًا.

وسُمِّيت هذه الفرقةُ قدريَّة؛ لإنكارهم القَدَر؛ قال أصحابُ المَقالات من المُتَكَلِّمين: وقد انقرضت القدريةُ القائلون بهذا القول الشَّنيع الباطل، ولم يَبق أحدٌ من أهل القِبلة عليه، وصارت القدريةُ في الأزمان المتأخرة تَعتقد إثبات القَدَر، لكن يقولون: الخير من الله، والشَّرُّ مِنْ غيره» (١).

وأمَّا الدرجة الثانية: فهي مَشيئته النافذة وقدرته الشاملة، وهو الإيمان بأنَّ ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

هذه الدرجة الثانية وهي كذلك قد تَضَمَّنت مَرتبتين من مراتب القَدَر، وهما: (المشيئة والخَلْق).

أمَّا المَشيئة، فقد قال ابنُ القيِّم : «المرتبة الثالثة من مراتب القضاء والقدر، وهي مرتبة المَشيئة:

وهذه المرتبةُ قد دلَّ عليها إجماعُ الرُّسل مِنْ أَوَّلهم إلى آخرهم، وجميع الكُتُب المُنزلة من عند اللهِ، والفِطرة التي فَطَرَ اللهُ عليها خلقه، وأدلة العقول والبيان، وليس في الوجود مُوجب ومُقتض إلا مشيئة الله وحده؛ فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، هذا عمومُ التوحيد الذي لا يقوم إلا به.

والمسلمون مِنْ أَوَّلِهم إلى آخرهم مُجمعون على أنَّه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا يقع في مُلكه إلا ما يريد حتى وإن كان مخالفًا لأمره الشرعي، فهو أراد أن يَمتحن عباده، فجعل لهم إرادة وقدرة؛ ليبلوهم أيهم أحسن عملًا؛ فمن آمن واستقام فاز، ومن كفر وعاند فقد خسر خسرانًا مبينًا؛ فتُجزى كل نفس بما عملت، فالعِبَادُ فاعلون حقيقة، واللهُ خالقُ أفعالِهم، وللعباد قُدرة على أعمالِهم، ولهم إرادة، واللهُ خالقُهم وخَالق قُدرتهم وإرادتهم، كما قال تَعَالى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التكوير: ٢٩، ٢٨]، وقد يريد العبدُ الشَّرَّ، ولكن الله لا يُمكنه منه؛ فكلُّ شيء داخل تحت إرادته ومَشيئته، ولا يَخرجُ العباد أبدًا في كل أمورهم عن تلك الإرادة والمشيئة؛ قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ [البقرة: ٢٥٣]، وقال


(١) «شرح النووي على مسلم» (١/ ١٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>